محتويات
كعب بن زهير
هو كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني،[١] وأمّه هي كبشة السحيمية، وكنيته أبو المُضرّب، من أشهر الشعراء المخضرمين الذين شهدوا عصرين مُختلفين،[٢] فقد عاش كعب في نهايات العصر الجاهلي وبدايات عصر صدر الإسلام، اختلف مؤرّخو الأدب في تحديد سنة ولادته، إلا أنّهم استطاعوا تحديد سنة وفاته وهي 26 للهجرة، كما ويعدّ كعب بن زهير من سلالة عائلة انبثق منها الشعر والحكمة، وكانت نشأته في بيئةٍ تُنتج القرائح الشعرية؛ فوالده زهير بن أبي سُلمى غنيٌّ عن التعريف وأخوه بجير، وابنه هو عُقبة ومن أحفاده العوّام، وجميع هؤلاء شهد لهم الشعر بنبوغهم، وبما أنّ والده كان شاعرًا مُجيدًا، لم يبخل عليه بالحكمة والأدب، فأقدم على تدريب ولديه على إجادة نظم الشعر الخالي من العيوب والضعف، فشبّ كعب بن زهير شاعرًا فصيحًا حكيمًا، ولعظم المكانة التي وصل إليها جاءت الرغبة في إظهار عنوان هذا المقال الذي سيتمّ من خلاله التعرف على المزيد من المعلومات عن الشاعر كعب بن زهير.[٣]
حياة كعب بن زهير
عاش كعب بن زهير حياته في عصرٍ اعتدّ بالشاعر، فبيئته التي نشأ فيها بدأت مجدها الشعريّ قبل مجيء الإسلام، حيث كانت هذه البيئة تُبارك قدوم الشاعر إليها كمباركتها قدوم المولود، فهو ابنٌ لهذه البيئة التي شكّلت لديه واحة من الشعر وأحد أهمّ شعرائها الذي تربّى ونشأ فيها وفُطِر على قوله للشعر منذ صغره،[٤] أقام كعب بن زهير في قوم عُرفوا ببني غطفان، حتى كاد أن يُنسبَ إليهم، فنشأته تحت كنفهم كأنّه واحد منهم يشترك معهم في كاّفة أمورهم وفي سلمهم وحربهم، ونشأ كعب بن زهير في هذه البيئة التي سمع فيها الشعر طفلًا، ورواه ناشئًا، حتى قاله يافعًا، وهذا كله راجعٌ لاهتمام والده به اهتمامًا كبيرًا كونه أكبر أولاده فأخذ يُهذّب ذوقه ويُروّيه شعره،[٥] كما كان يُروى أنّ والده زهير بن أبي سُلمى كان يخرج بابنه إلى الصحراء، فيقوم بإلقاء بيتًا عليه أو سطرًا ويطلب من كعبٍ أن يجيزه تمرينًا وتدريبًا لهُ، فيحاول كعب بذلك محاولات عديدة أن ينظم الشعر وحده منذ حداثة سنّه، إلّا أنّ والده كان يردعه مخافة أن يأتي بالضعيف من الشعر ويشوّه مجد الأسرة، فبقي يُهذّب لسانه ويقوم بتجهيز شاعريته برواية الشعر حتى استقام لسانه في النظم وأصبح من أكثر الشعراء إجادة وشهرة.[٦] ومن المعروف عن والده زهير بن أبي سلمى أنه أشهر شعراء عصره وعُرفت قصائده بالحوليات، حيث كان ينظمها خلال شهرٍ، ويقوم بتهذيبها في سنة.[٧]
إسلام كعب بن زهير
لقد وقف الشاعر كعب بن زهير من الإسلام موقف خصومة وعداء، وبخاصّة بعد إسلام أخيه بجير الذي سبقه إلى الإسلام تاركًا أخيه على وثنيته، فشقّ علي كعبٍ إسلام أخيه، فبعث إلى بجيرًا أبياتًا يلومه على ما فعله من إظهار إسلامه ويتعرّض من خلالها إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم، والتشبيب بالنساء المُسلمات بهجاء مُقذع، فلما علم رسول الله بأمر هذه الأبيات هدر دمه، قائلًا بذلك لأصحابه: "من لقي منكم كعبًا فليقتله"،[٨] فخاف بجير على أخيه كعب وكان قد علم ذات يوم بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف، فذهب إلى أخيه كعب كاتبًا لهُ بأنّ رسول الله قد قتل رجالًا في مكّة المكرمة ممّن كانوا يهجوه ويعمدوا إلى إيذائه وأنّه ما بقي من شعراء قريش سوى قلّة هربوا وابتعدوا عن طريقه، وطلب إليه أن يذهب للرسول صلى الله عليه وسلم ليعلن إسلامه وتوبته لأن الرسول لا يقتل من جاءه مسلمًا تائبًا، وإذا كعب لم يسلم فنصحه بجير بأن ينجو ويهرب من طريق رسول الله، فبعث كعب مع بجيرًا رسالة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفض فيها إعلان إسلامه ويهجوه فيها، وعندما بلغت رسالته إلى رسول الله استنكر عليه ذلك وأخبر بجيرًا بأنّ كعبًا هالك لا محالة.[٩]
ولما انتشر وعيد الرسول له في أنحاء الجزيرة العربية ضاقت به الأرض وأشفق على حياته ونفسه وعزم على إنشاء قصيدةٍ يمتدح فيها رسول الله، فجاء للرسول مسلمًا تائبًا يطلب منه أن يستأمنه فأنشد قصيدته المشهورة بالبردة بين يدي رسول الله غير عالمٍ بأنه لن يحظى بقصيدته هذه عفو النبي وحسب، بل سينال بها مكانًا خالدًا ومميّزًا في الشعر العربي إلى هذا اليوم، فقبل النبي توبته،[٩] وكانت لاميّته المشهورة التي طار ذكرها في الآفاق قد خمّسها كبار الشعراء، وشطروها وعارضوها، وترجموها،[٣] وبذلك تكون هذه القصة بمثابة نقطة البداية في إسلام كعب بن زهير حيث وقعت هذه الحادثة في أواخر السنة السابعة للهجرة، فبرز كعب شاعرًا مهمًا من شعراء الدعوة الإسلامية الذين دافعوا عن الإسلام والمسلمين، ويكون بذلك قد قام بإعلانِ إسلامه إسلامًا واضحًا ومُعلنًا لتوبته.[٥]
مكانة كعب بن زهير الأدبية
كان الشاعر كعب بن زهير من أهمّ الشعراء الذين امتلكوا حظًا وافرًا في الإبداع الشعري، فقد بدت في شعره سماتٍ فنيّةٍ مُتعدّدة؛ كالاهتمام بمطالع القصائد والبدء بالنسيب فيها، كما عمل على توظيف الصورة الفنية بشكلٍ بارزٍ في قصائده، وبخاصّة صورة الحيوان والإنسان والمرأة واهتمّ بالموسيقى الشعرية في كلّ قصيدة،[٤] فعندما حسن إسلامه أخذ يُصدر شعرًا يزخر بالمواعظ والحكم ويظهر فيه المعاني الإسلاميّة النبيلة مُتأثّرًا بذلك كلّه بالقرآن الكريم ووارثًا تلك الموهبة في الشعر عن والده الذي أجمع عدد من الأدباء والنقاد من خلال نقدهم له أنّه من أفضل شعراء عصره، ولكعب بن زهير الكثير من الأشعار والمقطوعات ذات الجودة العالية في شكلها ومضمونها؛ ممّا جعل هذه الأشعار ترتقي به إلى الطبقة الثانية للشعراء عند ابن سلام الجمحي في طبقاته فحول الشعراء، كما تناول كعب بن زهير كبقية الشعراء أغراضًا شعرية عديدة في قصائده ومنها الحكمة والشيب والشباب والغزل والفخر والحماسة والهجاء والرثاء والموت والقدر.[٤]
قصيدة البردة لكعب بن زهير
يُقصد بكلمة البُردة الكساء الذي يلتحف به،[١٠] وقد أطلق هذا الاسم على اللامية المشهورة للشاعر كعب بن زهير التي مطلعها "بانت سعاد" حيث امتدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعدُّ هذه القصيدة من أبرز وأشهر القصائد في مدح النبي عليه السلام، حيث كانت كمحاولة للاعتذار له، وسميّت بهذا الاسم لأنّ النبي عليه السلام أعطى بردته لكعب عندما جاءه مُستأمنًا ومعلنًا إسلامه، فبعد إنشاده لقصيدته التي افتتحها بالمقدمة الطللية "بانت سعاد"، مُتّبعًا في ذلك عادات الشعراء العرب الذين كانوا يبدأون قصائدهم بذكر المحبوب،[١١] ومن بعد هذه الافتتاحية الغزلية للقصيدة انطلقت أبياته للتوجه إلى مدح الرسول ثُمّ المهاجرين، وختم قصيدته ببيت مدْحٍ للرسول خصّه فيه، ثُمّ أعقب هذا البيت بمدح أصحابه، وبالرغم من أنّ اسم القصيدة الأصلي هو "بانت سعاد" إلّا أنّها اشتهرت كذلك باسم البُردة لأنّها ارتبطت بمنح رسول الله عليه السلام بردته لكعب تقديرًا لكلماته التي قالها في مدحه، وقد اشتملت القصيدة على 57 بيتًا نظمها على البحر البسيط، ولقيت هذه قصيدة البُردة فيما بعد عناية فائقة لم تحظ بها أيّ قصيدة من قبل.[٨]
اقتباسات لكعب بن زهير
وفي هذا الصدد وبعد الحديث عن هذا الشاعر الكبير، يتطلّب الأمر عرضًا لبعض القصائد التي هذّبها ونظمها، مُبرزًا فيها بطولاته الشعرية واستخدامه للفنون الأدبية والصور الفنية بغزارة، وتوظيفه المعاني المناسبة وضروبًا من البلاغة واستخدامه للمحسنات البديعية مثل الجناس والتورية والطباق والمقابلة؛ ليكون بذلك مثالًا يُحتذى به لدارسي الشعر ومحبّيه، ومن خلال ما يأتي سيتمّ استعراض بعض قصائده:
- أبيات من قصيدة البردة يقول في مطلعها:[١٢]
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ
مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُجزَ مَكبولُ
وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا
إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ
هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً
لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ
تَجلو عَوارِضَ ذي ظَلمٍ إِذا اِبتَسَمَت
كَأَنَّهُ مُنهَلٌ بِالراحِ مَعلول
- وفي قصيدة "هلا سألت وأنت غير عيية" يقول:[١٣]
هَلّا سَأَلتِ وَأَنتِ غَيرُ عَيِيَّةٍ
وَشِفاءُ ذي العِيِّ السُؤالُ عَنِ العَمى
عَن مَشهَدي بِبُعاثَ إِذ دَلَفَت لَهُ
غَسّانُ بِالبيضِ القَواطِعِ وَالقَنا
وَعَنِ اِعتِناقي ثابِتًا في مَشهَدِ
مُتَنافِسٍ فيهِ الشَجاعَةُ لِلفَتى
- وفي قصيدة "لعمرك ما خشيت على أبي" يقول:[١٤]
لعَمرُكَ ما خَشيتُ عَلى أُبَيٍّ
مَصارِعَ بَينَ قَوٍّ فَالسُلَيِّ
وَلَكِنّي خَشيتُ عَلى أُبَيٍّ
جَريرَةَ رُمحِهِ في كُلَّ حَيِّ
مِنَ الفِتيانِ مُحلَولٍ مُمِرٌّ
وَأَمَارٌ بِإِرشادٍ وَغَيِّ
أَلا لَهفَ الأَرامِلِ وَاليَتامى
وَلَهفَ الباكِياتِ عَلىأُبَيِّ
المراجع
- ↑ "كعب بن زهير"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-12.
- ↑ "كعب بن زهير"، ar.wikiquote.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-12. بتصرّف.
- ^ أ ب "كعب بن زهير"، www.diwanalarab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-11. بتصرّف.
- ^ أ ب ت مشهور الرواشدة، شعر كعب بن زهير دراسة فنية، صفحة 3. بتصرّف.
- ^ أ ب أنيس عفيفة، شعر كعب بن زهير في الجاهلية والإسلام، صفحة 10 11 . بتصرّف.
- ↑ "كعب بن زهير"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-12. بتصرّف.
- ↑ "زهير بن أبي سلمى"، www.arageek.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-12. بتصرّف.
- ^ أ ب "بانت سعاد القصيدة التي أنقذت رأس صاحبها"، www.ida2at.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-12. بتصرّف.
- ^ أ ب "خبر إسلام الشاعر كعب بن زهير وقصيدته"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-12. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى البردة"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-12. بتصرّف.
- ↑ "قصيدة البردة"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-12. بتصرّف.
- ↑ "بانت سعاد"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-12.
- ↑ "هلا سألت وأنت غير عيية"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-12.
- ↑ "لعمرك ما خشيت على أبي"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-12.