محتويات
نشأة نور الدين زنكي
كيف كانت بداية حياة نور الدين؟
هو الملك العادل أبو القاسم نور الدّين محمود بن عماد الدين زنكي، "511هـ - 569هـ"، يُلقّب بالملك العادل وناصر أمير المؤمنين، ليس هناك الكثير من الأخبار عن شبابه ونشأته، ولكنّهم يذكرون أنّه كان في مرحلة نشأته وشبابه في كنف والده، وقد كان والده يميّزه عن إخوته؛ إذ كان يجد فيه علامات الذّكاء والفطنة، وفي مدة حكمه للموصل "521هـ -541هـ" كانت حياته مليئة بشتّى أنواع المعارف والعلوم، فقد أحاط بالعلوم السياسيّة والإداريّة والعسكريّة بالإضافة إلى معرفته بالأمور الدّينيّة وعلوم الدّنيا المتنوّعة، فقد كان آنذاك مدرسةً حيّة متكاملة، ولم تكن علومه تقتصر على النظري وتلقي العلم فقط، بل عمد على تطبيقها على أرض الواقع.[١]
صفات نور الدين زنكي
ما العناصر التي كوّنت شخصيّة القائد المسلم نور الدين؟
إنّ مما يميز ملامح شخصيّة نور الدّين زنكي هو شعوره بالمسؤوليّة، وحرصه الدّائم على تحرير البلاد العربيّة من الصّليبيين، بالإضافة إلى إيمانه بالله تعالى واليوم الآخر التي جعلته يفهم الدّين فهمًا صحيحًا، ويتقيّد به تقيدًا دقيقًا، ومن أهم تلك الصّفات التي تمتّع بها نور الدّين الزنكي:[٢]
- الجدّية والذكاء المتّقد: فقد حرص نور الدّين زنكي ومنذ بداية حكمه على ردّ أي اعتداء يقوم به الأعداء، فقد اتّصف بشخصيّة جدّية ذات موقف ثابت، وكان إذا ما أراد الإغارة على مكانٍ ما أتقن جوانب الإغارة حتّى يبلغ ما يريد.
- الشّعور بالمسؤولية: وهو شعورٌ نابعٌ عن ورع نور الدّين وخوفه من الله تعالى، وقد ظهر شعوره بالمسؤوليّة في شتّى الأعمال التي قام بها، فقد كان يعدّ نفسه مسؤولًا أمام الله تعالى عن كلّ ما يخصّ رعيّته فيما يتعلّق بأمورهم، فلو استطاع أن يفعل لهم أمرًا وقصّر به عدّ نفسه مقصرًا.
- الحنكة والقدرة على مواجهة المشكلات والاضطرابات: فقد كان إذا ما أصاب رعيّته مصابٌ فإنّه يعمل عقله في حلّ تلك الأمور مع أخذه بالأسباب المؤدية إلى تلك الحلول التي يسعى إليها.
- ميله للبناء والإعمار والتّطوير والتّحسين: فقد كان نور الدّين دائم العمل على تطوير البقع التي كانت تحت إمرته، فبنى الكثير من المساجد والمدارس وكلّ ما يمكنه أن يرتقي بالبلاد والعباد.
- الشخصية القوية المتمكنة: كان يتمتّع نور الدّين بشخصيّة قويّة فإذا ما قابله أحدٌ أعجب بهيبته وبأسه، ولكن مع ذلك كان ليِّنًا هينًا لطيفًا مُحبًّا لمن حوله.
- حب الناس له: فلقد أحبّه جميع من هم حوله، ومن ذلك عندما دخل دمشق فرح المسلمون به فرحًا شديدًا.
- اللياقة البدنيّة العالية: فطبيعة الحياة الممتلئة بالجهاد والغارات تطلّبتْ من نور الدّين أن يكون جسده قويًّا لينًا، لذا كان يقوم بالتّمرينات ولا سيّما تلك التي تساعده في حروبه.
- تجرّده وزهده في الحياة: فقد كان زاهدًا مُحبًّا لمن حوله، وكان يعتدل في الإسراف على نفسه وعياله.
- الشجاعة والكرم: كان شجاعًا مقدامًا فلم يتردّد في أيٍّ من الحروب التي خاضها، وإلى جانب ذلك فقد كان كريمًا معطاءً لا يقصده سائل بشيء ويرده خائبًا، بل كان يغدق عليه من نعم الله التي أعطاه إيّاها.
- التزامه الشّديد وامتثاله لأوامر الدّين: فكان صحيح التوحيد لله تعالى، وكان دائم العبادة يصلّي الفروض في جماعة ويصوم ويتلو القرآن وغير ذلك من العبادات، وكان يحب الجهاد ويرجو الشهادة.
حياة نور الدين زنكي
ما أبرز إنجازات نور الدين زنكي؟
لقد كانتْ حياة نور الدّين مليئة بالإنجازات، فقد انحدر من أسرةٍ تتّصف بالشّجاعة والإقدام، فكان جدّه أوّل من شجّع على قتال الصّليبيين وذلك بعد انتصاره في معركة الرها، وقد ولي نور الدّين حلب فكان عادلًا مجاهدًا ورعًا، وقد قام بالكثير من الإصلاحات فيها، فبنى المدارس والمساجد في حلب ودمشق وحمص أيضًا، كما وضع سورًا لدمشق ووسّع أسواقها، وأنشأ المارستان ودار الحديث، وهزم الفرنج مراتٍ عديدةٍ، وكان منصفًا في حكمه لا يخرج عن الحق ولا يميل عنه، فقد كانت حياته مليئةً بالأعمال التي ذهبتْ بالبلاد والعباد نحو الأفضل.[٣]
قد كان نور الدّين كذلك يأكل من عمل يده، فكان يعمل في صنع الكوفيّات ونسخ الكتب ومما كان يأتيه من الدكاكين الثلاثة التي اشتراها من حصّته من الغنائم في إحدى المعارك، وكان إذا ما أطلّ رمضان امتنع عن طعام المملكة زهدًا، وطلب من شيخه عمر الملّا بالموصل أن يرسل له الرقاق، وهو كالعيش الجاف، فيعيش عليه طيلة شهر رمضان، وكان قد أسقط الضّرائب عن أهل بلاده، وكان متواضعًا لله كثيرًا، وذكروا أنّه في إحدى المعارك -وهي معركة تحرير حارم- تضرّع إلى الله بأن يتفضّل عليهم بالنصر على الصّليبيين ومرّغ وجهه بالتّراب.[٣]
أبناء نور الدين زنكي
كيف كانت أسرة نور الدين زنكي؟
تزوّج نور الدّين سنة 541هـ بعصمت الدّين خاتون ابنة الأتابك معين الدّين أنُر حاكم دمشق، وذلك بعد مراسلاتٍ عديدةٍ كانت قدْ جرتْ بينهما، وعندما توصّلا أخيرًا إلى اتفاقٍ بينهما عُقد العقد في دمشق بحضور الوفد الذي أرسله نور الدّين، ولمّا تجهّزتْ أُرسلتْ إليه بصحبة الوفد، وأنجب نور الدّين منها ابنة وولدين، وولداه هما الصّالح اسماعيل الذي استلم الحكم بعد أبيه لكنّه توفّي شابًا في العشرين من عمره بسبب إصابته بمرض، وأحمد الذي توفي طفلًا صغيرًا.[٤]
وقد انتقلتْ تفاصيل شخصيّة نور الدّين زنكي بما تحمله من خيرٍ وصلاح وتقوى إلى ابنه الكبير وزوجته، فممّا عرف عن زوجته أنّها كانت أكثر النساء عفّةً، كما كانتْ تقيّة صالحة، فقد كانت تقوم الليل كثيرًا، وذُكر مرةً أنّها نامتْ عن قيامها لليل، فاستيقظتْ في اليوم التالي غاضبةً، فلمّا سألها نور الدّين عن السّبب ذكرتْ له غفلتها عن قيام الليل، فأمر نور الدّين بضرب الطّبول وقت السّحر، وقد بذل لمن يقوم بذلك عطاءً كثيرًا.[٤]
عقيدة نور الدين زنكي
بمَ كان يعتقد نور الدين زنكي؟
مع دخول الحركة زنكية إلى بلاد الشّام ازدهرت الحركة الصّوفية، وذلك لما وجدته من رعاية من قبل الأمراء الزنكيين، الذين دعموا التّصوّف وحاربوا التّشيّع،[٥] فكان نور الدين زنكي سائرًا على نهج الأشعريّة في الاعتقاد والتصوّف في السلوك[٦]، فأصبحت الشّام في عهد نور الدّين زنكي موطنًا للصوفيّة وذلك بسبب عنايته البالغة بها، تلك العناية التي تمثّلت في جوانبٍ كثيرة منها ما كان بين السّلطان نور الدّين والشّيخ الصّوفي عمر الملّا من تشاورٍ وتعاون عندما جعل السلطان نور الدّين من الشّيخ عمر الملّا مرجعًا رسميًّا في الموصل لا يُقضى أمرٌ دون علمه وموافقته.[٥]
قد بلغ باعتقاد السّلطان بهذا الشيخ أن كان يوكّل أمر طعامه إليه في رمضان، فيرسل إليه بعض الفتات فيأكلها، وذكروا كذلك أنّه كان قد أسند إليه بناء أكبر المساجد في الموصل، فلمّا قيل للزنكي لمَ لا توكّل من هو أعرف منه، فأجاب زنكي أنّه وجده أكثر عدلًا من غيره، فإن ظلم فالإثمُ عليه هو، وفي هذا دلالةٌ واضحة على تقوى نور الدّين وإلمامه بالفقه، ولم يتوقّف دعم نور الدّين للصّوفيّة عند الشيخ عمر الملّا فقط، بل كان كذلك مع كلّ السادة الصّوفيّة.[٥]
ولو نُظر إلى حياة نور الدّين من بعيد لتراءت الكثير من علامات الزّهد والتصوّف فيها، فقد كان كثير الصلاة يصلّي الفرض في جماعة، ويقوم الليل، ويقرأ القرآن ويلزم الصوم والتسبيح، كما كان عفيف البطن والفرج، وكان يعدل في الإسراف على نفسه وعلى أطفاله وزوجته، فقد قيل إنّ أكثر فقيرٍ معاصرٍ له كان يُنفق أكثر منه بالرغم من كثرة أمواله، كما كان يستفتي الشّيوخ فيما يجوز له من مالٍ ممّا خصّص لمصالح المسلمين الذين يمسك أمرهم، فلا يتجاوز ما أجازوه ولو قتله الجوع، وهكذا فقد كان نور الدّين زنكي شديد الحبّ للصوفيّة يحبّهم ويكرمهم، ويميل إليهم، ويقبل على حديثهم، ويسمع قولهم، ويمتثل لرأيهم.[٥]
فتوحات نور الدين زنكي
ما أبرز المدن والحصون التي حررها نور الدين زنكي من الفرنجة؟
لقد تولّى نور الدّين الحكم حاملًا لواء العدل والجهاد في رد الحروب الصليبية، فقد افتتح الكثير من الحصون، وكذلك قد فتح فامية والراوندون وقلعة إلبيرة وعزاز وتل باشر ومرعش وعين تاب وهزم صاحب أنطاكية "البرنس"، ودعم السّنة في حلب وقمع الشيعة، وقد حاصر دمشق مرّتين لكنّه لم يستطع فتحها، وفي المرّة الثالثة عقد صلحًا مع ملكها "معين الدين أنُر" وتزوّج بابنته، ثمّ دخل دمشق وحسّن أحوالها على جميع الأصعدة.[٧]
علاقة نور الدين زنكي بصلاح الدين الأيوبي
كيف تكونت العلاقة بين أعظم قائدين أيام الحروب الصليبية؟
لقد كان صلاح الدّين الأيوبي وأسرته محطّ تكريمٍ بالنسبة لنور الدّين زنكي، ويعود ذلك إلى أنّ أسد الدّين شيركوه "عم صلاح الدّين" كان هو من مهّد الطريق لنور الدّين ليصبحَ حاكمًا على حلب، وجميع ما رآه نور الدّين من أسد الدّين من قوّة في حروبه مع الفرنجة، بالإضافة إلى سبقه في المعروف جعل نور الدّين يحفظ له ذلك الود وجعله الأوّل على جنوده وفي مقدّمة العسكر، ثمّ أصبحت له الرحبة وحمص وغيرها.[٨]
ولمّا أراد نور الدّين زنكي أن يأخذ دمشق أمر أسد الدّين أن يرسل لأخيه في دمشق نجم الدّين "والد صلاح الدّين" أن يترك دمشق ويلتحق بأسد الدّين، ففعل ذلك وأصبح الأخوان تحت إمرة نور الدّين زنكي، وقد بلغا مرتبةً عاليةً لديه.[٨]
لمّا خاف نور الدّين من الفرنجة أن يدخلوا مصر أمر صلاح الدّين بأن يذهب إلى عمّه في حمص يطلب منه الحضور إليه، فطلب نور الدّين منهما الخروج نحو مصر مجهّزين بالجيش، فتوفّي أسد الدّين وخلفه صلاح الدّين فأصبح نائبًا لنور الدّين زنكي، فاستمال قلوب الناس وأعطاهم الأموال، وقد توتّرت العلاقة بين صلاح الدين ونور الدّين في موقفين: الأوّل عندما طلب صلاح الدّين من نور الدّين زنكي أن يرسل إليه إخوته فرفض لئلا يخالفه إخوته في شيءٍ فيفقد السّيطرة على البلاد.[٨]
وأمّا الثّاني فقد كان عندما طلب نور الدّين زنكي من صلاح الدّين أن يجمع الجند ويتّجه من مصر إلى الفرنج ويحاصر الكرك، على أن يجمع نور الدّين زنكي جنوده ويتّجه إلى نفس الوجهة ليلتقي بصلاح الدّين، فأرسل إليه صلاح الدّين بأنّه لن يتأخّر، وبقي نور الدّين زنكي مُنتظرًا الخبر من صلاح الدّين الأيوبي، فأرسل إليه صلاح الدين ثانيةً يخبره بعدم قدرته على المجيء بحجّة خوفه على البلاد وهو بعيدٌ عنها، فأثار هذا الجواب غضب نور الدّين بسبب مخالفة صلاح الدّين لأمره، فجمع جنده وقرّر أن يدخل إلى مصر ويخرج صلاح الدّين منها.[٨]
فلما بلغ صلاح الدّين ذلك الأمر جمع أهله وأصحاب النفوذ ممّن هم حوله، وعرض عليهم الأمر فلم يبدِ أحدٌ رأيه بل اكتفوا بالسّكوت، إلى أن قام ابن أخيه تقي الدّين بن عمرو وقال إنّه إذا دخل نور الدّين نصدّه بالسّلاح، فوافق بعضهم على ذلك ولكن أنكر نجم الدّين -والد صلاح الدّين- ذلك عليهم، وقال لابنه إنّ كل ما هو فيه بفضل نور الدّين، وإنّ مصر وإمارته وكل من فيها محكومون لنور الدّين.[٨]
عندما انفرد بابنه نبّهه إلى خطورة عرض ما يريد أمام هؤلاء الجموع، وأشار عليه بالطّاعة، فامتثل صلاح الدين لأمر نور الدين، ولكن ما لبث نور الدين بعدها أن توفي وولي بعده صلاح الدّين، وقد ظهرتْ كثير من المواقف من صلاح الدّين تدلّ على ولائه لنور الدّين بعد وفاته.[٨]
وفاة نور الدين زنكي
ما المرض الذي مات به نور الدين زنكي؟
توفي نور الدّين زنكي في الحادي عشر من شوّال سنة 569هـ في قلعة دمشق متأثّرًا بعلّة "الخوانيق"[٩]، ويروي الإمام الذهبي فيما ينقله عن ابن خلكان أنّه لمّا أصابه الخوانيق أشاروا عليه بالفصد، وهو سحب للدم ولكن كانوا يفعلونه بطرائق قديمة وبدائية، فامتنع -رحمه الله- ومات بتلك العلة، وقال عنه ابن الأثير إنّه ليس بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز ملك حكم المسلمين مثله.[١٠]
المراجع
- ↑ علي محمد محمد الصلابي، القائد المجاهد نور الدين، القاهرة:دار اقرأ، صفحة 17. بتصرّف.
- ↑ عَلي محمد محمد الصلابي، القائدُ المجاهد نور الدين زنكي، القاهرة:دار اقرأ، صفحة 26. بتصرّف.
- ^ أ ب نزار محمد عثمان، السلطان العادل نور الدين محمود زنكي، صفحة 4. بتصرّف.
- ^ أ ب علي مُحمد مُحمد الصلابي، القائد المُجاهد نور الدين زَنكي، القاهرة:دار اقرأ، صفحة 17. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث رياض صالح علي حشيش، الحركة الصوفية في بلاد الشام، غزة:منشورات الجامعة الإسلامية، صفحة 67. بتصرّف.
- ↑ حمد السنان، فوزي العنجري، أهل السنة الأشاعرة، الكويت:دار الضياء، صفحة 267. بتصرّف.
- ↑ نِزار مُحمد عثمان، السلطانُ العادلُ نور الدّين محمود زنكي، صفحة 7. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح نزار محمّد عُثمان، السّلطان العادِل نُور الدين، صفحة 16. بتصرّف.
- ↑ ابن العديم، زبدة الحلب في تاريخ حلب، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 358. بتصرّف.
- ↑ شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، القاهرة:دار الحديث، صفحة 235، جزء 15. بتصرّف.