محتويات
فتح الأندلس
بينما كان العرب على وشك إتمام فتح المغرب البعيد ولم يبقَ في إفريقيا -تونس حاليًّا- سوى ثَغر سبتة المنيع، كانت الأقدار تُعَدّ على مهلٍ وبحكمةٍ ربانيةٍ فريدةٍ، إذ تصل رسالةً من الكونت يوليان -حاكم سبتة- إلى القائد موسى بن نصير يعرض فيها تسليم المدينة ويدعوه بها إلى فتح إسبانيا، وبعد مفاوضاتٍ طويلةٍ تم الاتفاق وباستشارة الخليفة الوليد بن عبدالملك فكانت شبه الجزيرة الآيبيرية عام 710م على موعدٍ مع أول سريةٍ مقاتلةٍ عدادها 500 مقاتلٍ بقيادة طريف بن مالك، ليتم بعد ذلك فتحها تدريجيًا بقيادة موسى بن نصير وطارق بن زياد، ولعلّ فيما تقدم سببًا لتقديم نبذةٍ عن عبد الرحمن الداخل.[١]
سقوط الدولة الأموية ونبوءة الدولة
العام 750م آخر خلفاء بني أمية مروان بن محمد توفي بعيدًا عن عاصمة دولته وقصره، كان قدره أن يموت في مصر، كان هذا بعد ثورة بني العباس التي نقلت لهم الخلافة من أبناء عمومتهم بني أمية، ليبدأ العباسيون في اضطهاد الأسرة الحاكمة وأفرادها من بني أمية، فلاحقوهم أينما كانوا وقتّلوهم ومثلوا في جثثهم؛ قبل ذلك بسنواتٍ عديدةٍ وفي عهد هشام بن عبد الملك تنبأ أخوه مسلمة، بزوال الدولة الأموية، وان شابًا أمويًا سيعيد لها المجد في أرضٍ بعيدةٍ، وقيل أن مسلمة عرف ذلك الشاب وكان حفيد الخليفة، وكان الخليفة هشام بن عبد الملك يحبه ويؤثره على إخوته.[٢]
وكان لهذه النبوءة وما تقدّم من اضطهادٍ بني العباس للأمويين، وهو الذي تعرض له عبد الرحمن الداخل مراتٍ عديدةٍ، فنجا على قدرٍ، وكان لهذا كل الأثر والدافع لأن ينتقل عبد الرحمن الداخل إلى المغرب ومنها إلى الأندلس ليؤسس الدولة الأموية هناك، وفي هذه المقالة نبدة عن عبد الرحمن الداخل.[٢]
نبذة عن عبد الرحمن الداخل
هو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك، من دار الخلافة الأموية، ولد عام 731م في الشام ويُختلف على تحديد المكان بدقةٍ، غير أن الراجح مولده في قرية "دير حنين" توفي أبوه معاوية شابًا فتعهده جده الخليفة هشام بن عبدالملك، وآثره عن بقية إخوته، أكمل عبد الرحمن حياته في تلك البلدة إلى أن سقطت الخلافة فاضطر إلى تركها ورحل إلى فلسطين هربًا من بطش جنود العباسيين، وانتقل منها إلى مصر ثم لجأ إلى تونس، وكان سبقه إليها الكثير من الأمراء الأمويين، نظرًا لعدم اعتراف حاكمها عبد الرحمن بن حبيب الفهري بحكم العباسيين في تلك الفترة بعد، ولكنه ولطمعٍ في تحويل تونس إلى دولة يتوارثها من بعده أبناءه، خاف من أن تعلو للأمراء الأمويين السطوة فينازعوه ملكه، ما حمله على ملاحقتهم وقتلهم، وهنا ينتقل عبد الرحمن الداخل إلى المغرب بين قبائل البربر من أخواله، كانت تلك نبذةٌ عن عبد الرحمن الداخل قبل عبور الأندلس.[١]
عبور عبد الرحمن الداخل الأندلس
بينما لم تَرْسُ أركان الخلافة العباسية في بغداد شرقًا، وبينما بدأت الفتن تموج في الأندلس، كان الحال منذرًا بضياع البلاد المفتوحة وانتهاء سيرة العرب والإسلام في الأندلس، لكنها ومن ناحيةٍ أخرى كانت فرصةً مواتيةً لعبد الرحمن بن معاوية لبثّ الحياة في شجرة بني أمية من جديد، حتى ولو كان ذلك في أرض بعيدةٍ جدًا، وصل عبد الرحمن بن معاوية إلى الأندلس عام 755م ونزل في طرُّش Torrox ، فبدأ الجمع حوله من جند الشام والأنصار اللذين تبنوا دعوته بالاحتشاد، وبدأت البيعات تتوالى وتكثر حتى انتصر على حاكم الأندلس "يوسف الفهري" في موقعة "المصارة" فدخل قرطبة وبويع أميرًا في 13 مايو 756م، فأسس بهذا الدولة الأموية في الأندلس، وصار حاكمها يسمى الأمير.[١]
لُقّب عبد الرحمن بن معاوية ب"الداخل" كونه أول من دخل الأندلس وحكم فيها من الأمويين، وقد لَقّب نفسه بـِ "ابن الخلائق" لا الخليفة؛ فحسب اعتقاده أن الخلافة إنما تكون لمن ملك أرض العرب، ورغم أن الدولة التي أسسها عبد الرحمن الداخل لا تتبع للخلافة العباسية، ورغم ما عاشه وأهله من اضهادٍ منهم، إلا إنه استمر بالدعاء للخليفة العباسي لعشرة أشهرٍ وعلى منابر الجمعة، وقد اتخذ عبد الرحمن الداخل من قرطبة عاصمةً لدولته الفتية.[١]
أخيرًا هذه شهادةٌ مهمةٌ في عبد الرحمن الداخل من أبي جعفر المنصور، والذي ناصب عبد الرحمن الداخل العداء، إذ يروى أنه سأل حاشيته يومًا فقال: من صقر قريش؟ فقالوا: أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور، فقال: لا، فردوا: هل عبدالملك بن مروان؟ فقال: "عبد الرحمن بن معاوية، الذي خلص بكيده عن سنن الأسنة وظبأة السيوف، يعبر القفر ويركب البحر حتى دخل بلدًا أعجميًا فمصّر الأمصار وجنّد الأجناد وأقام ملكًا بعد انقطاعه، بحسن تدبيره وشدة عزمه".[٣]
المراجع
- ^ أ ب ت ث محمد عنان (1997)، دولة الإسلام في الأندلس (الطبعة 4)، القاهرة-مصر: مكتبة الخانجي، صفحة 38 إلى 154، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب خليل السامرائي، عبدالواحد طه، ناطق مطلوب (2000)، تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس (الطبعة 1)، بيروت-لبنان: دار الكتاب الجديد المتحدة، صفحة 87،88. بتصرّف.
- ↑ سيمون الحايك (1982)، عبد الرحمن الداخل (صقر قريش)، صفحة 206. بتصرّف.