نبذه عن حياة الفرزدق

كتابة:
نبذه عن حياة الفرزدق

نشأة الفرزدق

لماذا طُرد الفرزدق من البصرة؟

همام بن غالب بن صعصة التميمي (641م- 732م)، وهو من أشهر شعراء العصر الأموي، كُنّي بأبي فراس ولُقب بالفرزدق، وفي الإجابة عن سؤال ما سبب تسمية الفرزدق بهذا الاسم؟ فيعود السبب لجهامتة وضخامته، وفي نسب الفرزدق فقد كان أبوه سيد بادية بني تميم، أما أمه هي أخت الصحابي الأقرع بن حابس، عاش الشاعر حياته متنقلًا بين الخلفاء والأمراء، كتب الشعر منذ صغره ولكنه كان يميل إلى البذاءة والتهتك، إذ غضب عليه والي البصرة فطرده، ثم لجأ إلى المدينة ولكن واليها طرده منها،عاش الفرزدق معظم حياته في الفسق والفجور، فأقبل على ملذات الحياة وعرفها بحلوها ومرها، وإذا كتب في الزهد قصيدة فإنه غالبًا ما يعود غوايته وملذاته، وغلب على شعره الفخر والهجاء.[١]

صفات الفرزدق

ما هي أبرز الصفات التي عُرفت عن الفرزدق؟

نشأ الفرزدق في البادية، فتطبع من طباعها من غلظة وجفاف وقوة وشرف وتعالٍ على المجد، كما عُرف بمجموعة من الصفات الخلقية والشكلية، فقد قيل إنّه كان يشبه الرغيف الضخم، وقيل إنّه شبيه بقطعة من العجين، وذلك كناية عن قصره وتجهم وجهه[٢]، وفي صفاته المعنوية فقد كان متهتكًا وخاصة في شعره، كما كان يتصف بعزة النفس والشعور بالفخر بنفسه عن الآخرين، وعُرف بحبه للنساء وذلك من خلال زواجه المتعدد والمتكرر[٣] ومن صفاته الشخصية ما تظهر بمواقفه في الحياة ومنها:[٤]


زواج الفرزدق

نظم الفرزدق العديد من القصائد في النساء وخاصة في الغزل، وكان ذلك ما يظهر على حياته، إذ إنّه تزوج عدة مرات فتعددت زوجاته ومنهن: حدراء بن زيق بن بسطام بن قيس، وطيبة بنت العجاج المجاشعي، ورهيمة بنت غني بنت درهم النمرية، والنوار بنت مشاجع، ولكن طلاقه منهن لم يظهر أي تأثير في نفسه سوى النوار بنت مشاجع، فقد كتب قصيدة أظهر فيها ندمه الشديد لتخليه عنها وطلاقها، كما كانت زوجته النوار القاسم المشترك التي تتواجد بكافة قصائده في زوجاته الأخريات، وفي بعض القصائد كانت النوار بمثابة الشخص المخاطب في القصيدة، كأن يمدح إحدى زوجاته ولكنه يُخاطب النوار في هذا المديح ويحدثها.[٤]


زواج الفرزدق من نوار بنت شجاع

اهتم النقاد والأدباء بالفرزدق وزيجاته، ويظهر ذلك أن بعض الأدباء قد ألفوا كتبًا خاصة في ذلك، ومن هذه الكتب ما أشار لها ابن النديم حين قال: ألف المدائني أيضًا كتاب مناكح الفرزدق، ومن أشهر قصصه المذكورة مع زوجاته هي قصته مع النوار بنت مجاشع، والتي قيل إنّه تزوجها بخدعة، إذ إنّه كان من أقاربها، فطلبت إليه أن يكون هو الوالي عنها فأوكلته أمر تزويجها إليه، ولكنه أشهد عليها أنه هو من سيتزوجها مقابل مائة ناقة من الإبل، فخاصمته وذهبت تشكيه إلى ابن الزبير، ولكنه لحق بها وصالحها وأعادها معه إلى البصرة، فبقي يتغزل بها في شعره، وبعد طلاقه منها كتب بها أبيات الحسرة والندامة على فراقها، إذ يقول:[٥]

نَدِمتُ نَدامَةَ الكُسَعِيِّ لَمّا

غَدَت مِنّي مُطَلَّقَةٌ نَوارُ

وَكانَت جَنَّتي فَخَرَجتُ مِنها

كَآدَمَ حينَ لَجَّ بِها الضِرارُ


زواج الفرزدق من حدراء الشيبانية

ذكر الفرزدق زوجته حدراء في الكثير من أبيات شعره، ومنها:[٥]

لَو أَنَّ حَدراءَ تَجزيني كَما زَعَمَت

أَن سَوفَ تَفعَلُ مِن بَذلٍ وَإِكرامِ

لَكُنتُ أَطوَعُ مِن ذي حَلقَةٍ جُعِلَت

في الأَنفِ ذَلَّ بِتَقوادٍ وَتَرسامِ

عَقيلَةٌ مِن بَني شَيبانَ تَرفَعُها

دَعائِمُ لِلعُلى مِن آلِ هَمّامِ


زواج الفرزدق من ظبية بنت مشاجع

من زوجاته ظبية بنت حالم والتي يقوله بها عندما أراد مدحها، ما يأتي:[٥]

أُبادِرُ شَوّالاً بِظَبيَةَ إِنَّني

أَتَتني بِها الأَهواءُ مِن كُلِّ جانِبِ

بِمالِئَةِ الحِجلَينِ لَو أَنَّ مَيِّتًا

وَإِن كانَ في الأَكفانِ تَحتَ النَصائِبِ

دَعَتهُ لِأَلقى التُربَ عَنهُ اِنتِفاضَهُ

وَلَو كانَ تَحتَ الراسِياتِ الرَواسِبِ


زواج الفرزدق من اليرابيع بنت الحارث

تزوج الفرزدق اليربوعية بنت الحارث ولكنه في أشعاره لها كان يذكر زوجته النوار ويخاطبها، ومنها قوله:[٥]

أَراها نُجومَ اللَيلِ وَالشَمسُ حَيَّةٌ

زِحامِ بَناتِ الحارِثُ بنِ عُبادِ

نِساءٌ أَبوهُنَّ الأَغَرُّ وَلَم تَكُن

مِنَ الحُتِّ في أَجبالِها وَهَدادِ

وَلَم يَكُنِ الجَوفُ الغَموضُ مَحَلَّها

وَلا في الهِجارِيِّينَ رَهطِ زِيادِ


زواج الفرزدق من رهيمة بنت غنى النمرية

وهي إحدى زوجات الفرزدق والتي نشدت به فطلقها وقال فيها هاجيًا:[٥]

لا تَنكِحَن بَعدي فَتى نَمِرِيَّةً

مُزَمَّلَةً مِن بَعلِها لِبِعادِ

وَبَيضاءَ زَعراءَ المَفارِقِ شَجنَةً

مُوَلَّعَةً في خُضرَةٍ وَسَوادِ

لَها بَشَرٌ شَثنٌ كَأَنَّ مَضَمَّهُ

إِذا عانَقَت بَعلاً مَضَمُّ قَتادِ


زواج الفرزدق من الزنجية

كانت الزنجية هي أم ابنته مكية، والتي كنى نفسه بها، فيقول زوجته أم مكية:[٥]

إِن يَكُ خالُها مِن آلِ كِسرى

فَكِسرى كانَ خَيرًا مِن عِقالِ

وَأَعظَمُ غُنيَةً في كُلِّ يَومٍ

وَأَصدَقُ عِندَ مُختَلِفِ القِتالِ


المواقف السياسية للفرزدق

كان الفرزدق في مواقفه السياسية يتشيع لآل البيت، رغم أن له قصائد متنوعة في مدح الأمويين من خلفاء وأمراء، وللفرزدق مقولات تشير إلى إخلاصه للحسين، إضافة إلى أدلة أخرى من قصائده تؤيد تشييع الفرزدق لآل البيت، ومن مواقفه السياسية حين بالغ في مدح خلفاء بني أمية وأعلن في قصائده عن أحقيتهم بالخلافة التي جاءت عن طريق الشورى من عثمان بن عفان، وأضاف أنهم أهل الخلافة والحكم دون غيرهم، ثم إنه تجاهل بني هاشم في مدائحه فلم يذكرهم بسوء أو منقصة أو مرفعة، وفي مدائحه للخلفاء وأمراء بني أمية فقد كان يكرر من المعاني الدالة على الثوار والعصاة، فنعتهم بأبشع النعوت، وبقي في مدحه لبني أمية.[٦]


الفرزدق شاعرًا

كيف اقترنت قصائد الهجاء عند الفرزدق بالفخر؟

يُعد الفرزدق من أشهر الشعراء الذين قام على مناكبهم صرح الشعر العربي في عصر بني أمية، فهو قد تنوع بالموضوعات والأغراض الشعريّة، فلم يدع بابًا إلّا طرقه، ولا فنًا إلا وقد نظّم الشعر فيه، إذ نال شعره إعجاب الكثير ممن عاصروه من الشعراء والأمراء والخلفاء، كما أنه نال تقدير أهل اللغة والنحو، فقالوا: لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث اللغة، ولضاع نصف أخبار الناس، ومن ثم فقد تميز شعره بفخامة العبارة، وجزالة الألفاظ، كما يُعد من أشهر شعراء العرب الذين كتبوا في الفخر، إذ كانت قصائد الفخر عنده مكتملة همةً ونسبًا.[٧]


الفخر

اشتهر الفرزدق في قصائده بالفخر، ويعود ذلك إلى نسبه وقبيلته التي عززت له شعور المجد والشرف، فكانت معاني الفخر في قصائده تُبنى على الكرم والحلم والطاعة في القبيلة، كما تميّز أسلوبه بالقوة والمتانة وغرابة الألفاظ، ومن أبرز قصائده في الفخر، قوله:[٨]

لَنَا العِزّةُ الغَلْبَاءُ، وَالعَددُ الذي

عَلَيْهِ إذا عُدّ الحَصَى يُتَحَلّفُ

تَرى الناسَ ما سِرنا يسيرونَ خَلفَنا

وإن نحنُ أومأنا إلى الناَّسِ وَقَفوا

وقد عَلِمَ الجيرانُ أنَّ قُدورَنا

ضَوامِنُ للأرزاقِ والريحُ زفزفُ


المدح

لم يكن الفرزدق في مدحه يبغى التكسب، وإنما كان السبب هو التقرب للأمراء والخلفاء من أجل تلبية حاجات قبيلته، أو ليكفّ نفسه وقبيلته من شرهم، وفي مدائحه فقد وصف ممدوحيه بالعدل والرحمة وبشرف النسب والكرم، ومن أشهر قصائد المديح لديه هي قصيدة مدح زين العابدين[٩]، والتي يقول فيها:[٨]

هَذا الَّذي تَعرِفُ البَطحاءُ وَطأَتَهُ

وَالبَيتُ يَعرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ

هَذا اِبنُ خَيرِ عِبادِ اللَهِ كُلِّهِمُ

هَذا التَقِيُّ النَقِيُّ الطاهِرُ العَلَمُ

هَذا اِبنُ فاطِمَةٍ إِن كُنتَ جاهِلَهُ

بِجَدِّهِ أَنبِياءُ اللَهِ قَد خُتِموا

وَلَيسَ قَولُكَ مَن هَذا بِضائِرِهِ

العُربُ تَعرِفُ مَن أَنكَرتَ وَالعَجَمُ

كِلتا يَدَيهِ غِياثٌ عَمَّ نَفعُهُما

يُستَوكَفانِ وَلا يَعروهُما عَدَمُ


الهجاء

نظم الفرزق الكثير من قصائد الهجاء، خاصة في جرير، وشعر النقائض يشتمل على هجاء الفرزدق لجرير، بيد أنّ هجاءه كان في معظمه يقترن بالفخر، كأن يهجو قبيلة فلان في بيت شعري، وفي البيت يمدح قبيلته، ويضعها موضع المقارنة[٨]، ومن أشعاره في ذلك قوله:[١٠]

إِذا ما بَريدُ النَضرِ جاءَ بِنَصرِهِ

وَسُلطانِهِ أَلقى قُيودَ اِبنِ غالِبِ

لَئِن مالِكٌ أَمسى قَدِ اِنشَعَبَت بِهِ

شَعوبُ الَّتي يودى لَها كُلُّ ذاهِبِ

لَقَد أَنزَلَ اللَهُ الَّذي تَلتَقي بِهِ

عَلَيهِ مَنايا المَوتِ مِن كُلِّ جانِبِ

لَئِن مالِكٌ أَمسى ذَليلاً لَطالَما

سَعى في الَّتي لا فا لَها غَيرَ آيِبِ

لَئِن كُنتَ قَد أَبكَيتَ قَبلَكَ نُسوَةً

كِرامًا فَهَذي دائِلاتِ العَواقِبِ


منزلة الفرزدق

لماذا شُبّه الفرزدق بزهير؟

يمتاز الفرزدق بمنزلته الشعرية بين الأدباء والشعراء والنقاد، ويعود ذلك إلى جمال أسلوبه الأدبي في الشعر، وإلى قدرته على تغيير الألفاظ وإيراد الغريب منها، كما تميز بطول نفسه، وحسن بلاغته الشعرية والتصويرية، وعمق فصاحته والتي كانت لنشأته في البادية الأثر بها.[١١]


ومن أشهر المقارنات التي أُقيمت لتحديد منزلة الفرزدق الشعرية، هي المقارنة بن جرير والفرزدق، إذ كثر الحديث في الشاعرين وأيهما المتفوق على الآخر، إلا أن هذه الآراء رغم اختلافها إلّا أنها تصب في نتيجة واحدة، وهي تقدم الشاعريين على بقية الشعراء في عصرهم، وحيازتهما بالمقارنة والتفوق، ومن أبرز الآراء التي قيلت عن الفرزدق وأشادت بمنزلته ما يأتي:[١١]


  • يقول ابن سلام: سمعت يونس بن حبيب يقول: ما شهدت مجلسًا قط ذُكر فيه جرير والفرزدق وأجمع أهل المجلس على أحدهما، وكان يونس يقدم الفرزدق ويقول: ما كان بالبصرة مولّد مثله.[١١]
  • سُئل جرير: كيف شعر الفرزدق؟ فقال: كذب من زعم أنه أشعر من الفرزدق.[١٢]
  • قال ابن سلام: كان الفرزدق أكثرهم بيتًا مقلدًا، والبيت المقلد هو المشهور المستغني بنفسه الذي يُضرب فيه المثل.[١١]


  • قال أبو عمرو بن العلاء: كان الفرزدق أشبه من شعراء الجاهلية بزهير وكلاهما من الطبقة الأولى، زهير في الجاهليين، والفرزدق في الإسلاميين.[٧]
  • قيل للأخطل: أيهما أشعر أنت أم الفرزدق؟ فقال: أنا، غير أن الفرزدق قال أبياتًا ما استطعت أن أكافئه عليها.[٧]
  • قال ابن هبيرة: ما رأيت أشرف من الفرزدق، هجاني أميرًا ومدحني أسيرًا.[٧]


وفاة الفرزدق

كيف توفي الفرزدق؟

توفي الفرزدق بعد أن قارب عمره إلى المئة، لكن شعره باق وخالد، وفي وفاته فقد اختلفت آراء المؤرخين وأقوالهم في تاريخ وفاته، بيد أنهم اتفقوا على السبب الذي أدّى إلى وفاته، وهو إصابة الفرزدق بداء الدبيلة، وهو مرض يصيب في الجوف، ومن الآراء حول وفاته ما يأتي:[١٣]


  • قال البغدادي: قال النويري في تاريخه: "مات الفرزدق سنة عشر ومائة وله واحد وتسعون سنة".[١٣]
  • قال أبو فرج الأصفهاني في كتابه الأغاني: قال أبو زيد: "مات الحسن وابن سيرين وجرير والفرزدق في سنة عشر ومائة، ثم يُعلق أبو الفرج ويقول: وهذا غلط من أبي زيد لأن الفرزدق مات بعد يوم كاظمة، وكان ذلك سنة اثنتي عشر ومائة".[١٣]
  • قال ابن خلكان: "توفي الفرزدق بالبصرة سنة عشر ومائة قبل جرير بأربعين يومًا".[١٣]
  • قال العسكري: "الفرزدق لقى عليًّا بنَ أبي طالب وتوفّي سنة عشر".[١٣]

المراجع

  1. الفرزدق، ديوان الفرزدق، صفحة 5-10. بتصرّف.
  2. سليمان إبراهيم عبدالله إبراهيم، صورة العصر في شعر الفرزدق، صفحة 3. بتصرّف.
  3. الفرزدق، ديوان الفرزدق، صفحة 7. بتصرّف.
  4. ^ أ ب الفرزدق، ديوان الفرزدق، صفحة 5-6. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت ث ج ح سليمان إبراهيم عبدالله إبراهيم، صورة العصر في شعر الفرزدق، صفحة 6-10. بتصرّف.
  6. سليمان إبراهيم عبدالله إبراهيم، صورة العصر في شعر الفرزدق، صفحة 12-18. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت ث الفرزدق، ديوان الفرزدق، صفحة 8. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت مجموعة مؤلفين، الأدب العربي وتاريخه، صفحة 141-143. بتصرّف.
  9. وحيودي، الفرزدق وشعره في مدح زين العابدين، صفحة 42. بتصرّف.
  10. سليمان إبراهيم عبدالله إبراهيم، صورة العصر في شعر الفرزدق، صفحة 53. بتصرّف.
  11. ^ أ ب ت ث سليمان إبراهيم عبدالله إبراهيم، صورة العصر في شعر الفرزدق، صفحة 21-25. بتصرّف.
  12. حمد عبدالله محمد الجبوري، صورة الفرزدق في شعر جرير، صفحة 8. بتصرّف.
  13. ^ أ ب ت ث ج سليمان إبراهيم عبدالله إبراهيم، صورة العصر في شعر الفرزدق، صفحة 10-11. بتصرّف.
5861 مشاهدة
للأعلى للسفل
×