تحتفل الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بيوم الطفل في الخامس عشر من شهر كانون الثاني - يناير، وتحرص المؤسسات المشاركة بالاحتفال في هذا اليوم إلى نشر الوعي بضرورة الاهتمام بالصحة النفسية للطفل.
يرى بعض العلماء أن نصف أعراض الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان تبدأ بالظهور في مرحلة الطفولة (اقرأ: تربية الطفل، أصبحتما والدين)، وأن هناك تغييرات تحدث في الجسم تؤدي فيما بعد للإصابة بالمرض النفسي قبل حتى أن تبدأ أعراضه بالظهور. وبالتالي فإن مساعدة الأطفال وتوعية أسرهم حول كيفية التعامل مع الصعوبات المبكرة في حياة الطفل قد تساهم في الحد من إصابة الأطفال بالاضطرابات النفسية لاحقاً.
أنواع الاضطرابات النفسية
بالنسبة للأطفال الذين يعانون بالفعل من مشاكل نفسية، فهناك أنواع من الاضطرابات والأمراض تعتبر أكثر شيوعاً بينهم دون غيرها وهي:
- القلق: يستجيب الأطفال المصابون بالقلق لمواقف معينة بتولد شعور داخلي بالخوف والعصبية مع زيادة في سرعة نبضات القلب والتعرق.
- اضطراب الانتباه وفرط النشاط: يعاني الأطفال المصابون بهذا النوع من الاضطرابات من فقدان القدرة على التركيز أو اتباع التعليمات والإرشادات، بالإضافة إلى إصابتهم بالغضب أو الملل بسهولة والحركة المُفرطة والتسرع والتصرف بدون تفكير مُسبق.
- اضطرابات السلوك: يميل الأطفال المصابون بهذا النوع من الاضطرابات إلى تحدي القواعد وتعمد التخريب أثناء التواجد في بيئات تحكمها قواعد خاصة مثل المدرسة.
- اضطرابات الطعام: تظهر هذه الحالة على هيئة مشاعر حادة تتولد لدى الطفل فضلاً عن عادات غريبة فيما يتعلق بتناول الطعام (اقرأ: الطفل ومشاكل الجهاز الهضمي).
- اضطرابات النمو الشامل: يعاني الطفل المُصاب بها من شعور مفرط بالارتباك بالإضافة لمواجهة مشاكل في فهم العالم المحيط به.
- اضطرابات المزاج: يشعر الطفل هنا بالحزن مع تغييرات سريعة في حالته المزاجية، كما قد يصاب بالاكتئاب واضطراب ثنائي القطب أو ما يُعرف بالهوس الاكتئابي.
- اضطرابات التعلم والاتصال: وهذه تظهر في مشاكل وصعوبات قد يواجهها الطفل عندما يحاول فهم المعلومات بشكل صحيح أو حفظها.
- الفصام أو الانفصام العقلي: يعني الإدراك المشوه للواقع، وبالتالي قيام الطفل بتصرفات لا تتناسب مع الواقع المحيط، حيث يجد المُصاب بهذا المرض صعوبة في التمييز بين الواقع والخيال.
أسباب وأعراض
ولم يحدد العلم بشكل قاطع حتى الآن سبب إصابة الطفل بالأمراض والاضطرابات النفسية، عدداً من الباحثين يقترح أن مسببات المرض النفسي لدى الطفل تتراوح بين:
- عامل الوراثة.
- اضطراب أو خلل في بعض مراكز المخ.
- التعرض لضغوط حياتية ولصدمات نفسية مثل فقدان أحد أفراد الأسرة أو إهمال الطفل أو ضربه بصورة مستمرة أو الاعتداء الجنسي عليه.
وهناك أعراض قد تظهر على الطفل يجب أن تنتبه لها الأسرة، مثل:
- العجز عن أداء الأنشطة اليومية بشكل طبيعي.
- اضطرابات النوم والكوابيس المستمرة.
- الشكوى المستمرة من وعكات صحية.
- التهرب من الذهاب للمدرسة، أو ضعف غير مُعتاد في الأداء الدراسي.
- تحدي سلطة الوالدين أو المُدرس (اقرأ: السنة الأولى في روضة الأطفال، استعدوا للأمراض).
- السرقة و التخريب المقصود للأغراض التي يمتلكها الطفل أو الآخرين.
- الشعور شبه الدائم بالضيق و الملل.
- الميل للوحدة.
- العصبية والعنف الزائد.
بمجرد ملاحظة واحد أو أكثر من الأعراض المذكورة آنفاً لدى الطفل، يجب أن تتوجه الأسرة لطبيب أو جهة مختصة للاستشارة.
وتَنتُج صعوبة تشخيص المرض النفسي لدى الطفل - مقارنة بالمرضى الأكبر سناً - عن الكم الكبير من التغييرات الجسدية والنفسية التي يمر بها أثناء عملية النمو.
ويتسبب التطور المستمر في قدرة الطفل على التواصل مع الآخرين ومع العالم المحيط بزيادة صعوبة تشخيص الأمراض النفسية لديه. فالأسرة ليست الكيان الوحيد الذي يؤثر على صحة الطفل النفسية، إذ أن لكل نشاط أو حدث يشارك فيه كالرياضة وحفلات الأطفال و اللعب مع أقرانه فى الحدائق والمتنزهات تأثيره الخاص عليه.
ويزداد تأثير العوامل الخارجية على الطفل مع بداية ذهابه بشكل دوري للحضانة ثم المدرسة، حيث يمثل هذا أول انسحاب حقيقي لأسرته من حوله. ولهذا يجب أن يؤخذ في الاعتبار تفاعل الطفل في كل موقف ومكان على حدة عند تشخيص ما إذا كان يعاني من مرض نفسي أم لا.
ومما يؤكد على أهمية استشارة المختصين، اعتقاد بعض الأسر أن عدداً من الصفات والسلوكيات مثل الخجل أو العصبية المؤقتة أو غرابة العادات الغذائية هي أعراض لاضطرابات نفسية لدى الطفل، بينما قد يكون هذا مجرد جزء من عملية النمو والتطور الطبيعي له. أما التكرار شبه المستمر للسلوك السلبي لدى الطفل ولفترة زمنية طويلة أو تسببه في مشاكل له ولأسرته قد تكون بالفعل أدلة على اضطراب نفسي يتطلب زيارة مختص لإجراء الفحوصات اللازمة.
وعلى الرغم من صعوبة تحديد نوع الاضطراب النفسي من خلال فحص جسم الطفل، إلا أن المختص يقوم بالعادة بإجراء فحوصات وتحاليل للتأكد من عدم وجود أي خلل جسمي قد يكون المُتسبب الحقيقي للأعراض الظاهرة على الطفل. وعند تأكيد خلو الطفل من أي مرض عضوي، يبدأ دور الطب النفسي في التشخيص.
العلاج
مازال البحث العلمي مستمراً للوصول إلى العلاج الأنسب للأطفال المصابين بالاضطراب النفسي. ولحين تحقق هذا، يصف الأطباء للأطفال جرعات أصغر من الأدوية المُستخدمة للمرضى الأكبر سناً (شاهد بالفيديو: أساسيات استخدام الأدوية مع الأطفال)، وتشمل: مضادات الاكتئاب، مضادات القلق، مثبتات الحالة المزاجية، منبهات ومضادات الذُهان.
ولا يتم علاج الاضطرابات النفسية لدى الأطفال بالأدوية والعقاقير الطبية فحسب، إذ تلعب جلسات الاستماع للأطفال والحوار معهم الدور الأكبر في التشخيص والعلاج على حد سواء. تستهدف جلسات العلاج الاستجابات العاطفية لدى الطفل، حيث يتم توجيه الطفل وأسرته نحو طرق واستراتيجيات معينة لفهم أعراض المرض وكيفية التعامل معها. وتتم تلك الجلسات مع الطفل وحده أو مع أفراد الأسرة كلها أو في مجموعات مع مرضى آخرين.
وهناك أساليب أخرى للعلاج تعتمد على توظيف الفن لمساعدة الأطفال على التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم.
ويحتاج الطفل المصاب بالاضطرابات النفسية لدعم وتفهم مضاعفين من أسرته مقارنة مع غيره من الأطفال. ولهذا يجب على أفراد الأسرة السعي نحو فهم ما يعانيه الطفل، واختيار الطريقة الأنسب للتعامل معه وعدم ممارسة أي ضغوط عليه قد تفوق قدراته النفسية.
وخلال الاحتفال بيوم الطفل في الخليج، يحظى موضوع "حماية الأطفال من العنف" على وجه التحديد بالاهتمام الأكبر من الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني، وذلك بسبب ما ينتج عنه من مخاطر جسدية واضطرابات نفسية.
من الضروري هنا التمييز بشكل عام بين إهمال الطفل وسوء معاملته. فإهمال الطفل يعني عدم الاهتمام به، بينما سوء معاملته يعني القيام بما يتسبب في إحداث ضرر له. وعلى الرغم من أن الإهمال يعدّ بحد ذاته سوء معاملة للطفل نبرز هنا ممارسات اخرى تعدّ كذلك:
- الاعتداء الجسدي عن طريق ضربه أو حرق أجزاء من جسده أو غيرها من أشكال الإيذاء الجسدي.
- الاعتداء العاطفي عن طريق إهماله أو تعنيفه لفظياً، أو قول ما يُشعره بانعدام الأمان، أو أنه غير محبوب وغير مرغوب فيه أو أنه بلا قيمة.
- الاعتداء الجنسي، وهذا لا يقتصر على التحرش والاغتصاب فحسب، وإنما يشمل كذلك تعريض الطفل لأي مضمون جنسي مرئي أو مسموع أو حتى خلال الحديث.
ويتسبب تعرض الأطفال للعنف سواء الجسدي أم النفسي وسوء معاملتهم بإصابتهم بالعديد من الاضطرابات النفسية مثل: القلق، الاكتئاب، انعدام الثقة في الآخرين، مشاكل التعلم وسوء أدائهم الدراسي، اضطرابات النوم، و شعورهم بالخوف والخجل.
إن لم يتلقَّ الطفل العلاج المناسب والمساعدة اللازمة، ترتفع احتمالات استمرار ما يعاني منه من اضطرابات نفسية لفترة أطول من حياته لتسبب له مشاكل أخرى على المدى البعيد في مناحي حياته المختلفة: الشخصية، الاجتماعية، أو العملية.