نشأة الإعراب

كتابة:
نشأة الإعراب

كيفية نشأة الإعراب

نشأ علم الإعراب نشأ على الأرجح على يد أبي الأسود الدؤلي، حيث وضع له علي بن أبي الطلب أسس العلم لمّا شاع اللحن بين الناس، واللحن هو عدم القدرة على ضبط أواخر الكلمات ضبطا صحيحا مثل نصب الفاعل، ورفع المفعول به، ثمّ قَدِمَ أبو الأسود الدؤلي على زياد بن أبيه، وطلب منه أن يضع للناس كتابًا حتى ينضبط كلامهم، فرفض زياد، وبعد مدّة جاء رجل إلى زياد وقال: "تُوفي أبانا وترك بنون" فنصب نائب الفاعل، ورفع المفعول به، فدعا زياد أبا الأسود وطلب منه وضع الكتاب.[١]

اللغات التي اهتمت بالإعراب

الإعراب ظاهرة قديمة؛ فالعرب أهل فصاحة وبيان، وقد كانت ظاهرة الإعراب ملازمة للغة العرب عمليًّا وفعليًّا في لغة التخاطب اليوميّ دون الحاجة لتعلّمها حتى القرن الثالث الهجري، والإعراب من خصائص اللغات السامية (مثل الأكادية، الآشورية، البابلية، السومرية)، لكن اللغات السامية الأخرى تخلّت عن الإعراب وتميّزت العربية باحتفاظها به.[٢]


وتدلّ اللغة المعربة على نضج فيها وفيمَن يتحدثون بها، فالإعراب يتطلب أن يطابق المتحدث بين ما في نفسه من معانٍ وبين حركات أواخر الكلمات التي ينطق بها، فيرفع الفاعل وينصب المفعول به، ويجرّ المضاف إليه، وهذا لا يتأتّى إلاّ لِمَن كان لديه عقل ناضج واعٍ ولغة وصلت مرحلة الكمال.[٣]

نشأة علامات الإعراب

كانت بداية استخدام علامات الإعراب عندما بدأ أبو الأسود الدؤلي بكتابة القرآن، وقد ظهر اللحن بين الأعاجم والمولدين الذين دخلوا في الإسلام واختلطوا بالمسلمين، حتى ظهر اللحن بين العرب أنفسهم.[٣]


فقال أبو الأسود لكاتبه: "إذا رأيتني قد فتحت شفتي فانقط واحدة فوق الحرف، وإذا ضممتها فاجعل النقطة إلى جانب الحرف، وإذا كسرتها فاجعل النقطة في أسفله، فإذا أتبعت شيئا من هذه الحركات غنّة فانقط نقطتين" وهنا كانت بداية ظهور الحركات الإعرابية، لكن بشكل مختلف عن الحركات في زمننا الحاضر.[٣]


بعد ذلك، اختلط على الناس نقط الإعجام -وهي النقط على الحروف أو تحتها للتمييز بينها مثل (ب - ت)- وبين نقط الإعراب، فقام أبو الخليل الفراهيدي بوضع العلامات المعروفة حاليًّا، حيث جعل الحركات -والتي هي أبعاض حروف- معبرة عن قيمتها الصوتية، فالضمة واو صغيرة، والفتحة من الألف، والكسرة من الياء.[٣]

دلالة الإعراب على المعاني

تاليًا أمثلة تشرح دلالة الإعراب على المعاني:

  • المثال الأول: عندما نقول ضَربَ زيدٌ خالداً.

فإنّ تنوين الضم آخر كلم زيدٌ هو من دلّ على أنّه من قام بالضرب، وخالدًا هو المضروب، حتى لو قلنا: (ضربَ خالداً زيدٌ) أي حتى لو تقدّم المفعول به على الفاعل لدلالة معينة، فإنّ الإعراب هو الذي يبين المعنى ويوضحه.

  • المثال الثاني: هذا كتابُ خالدٍ.

تنوين الكسر يدلّ على إضافة الكتاب لخالدٍ، فهناك ارتباط وثيق بين الحركات والدلالات الإعرابية والمعاني.

  • المثال الثالث: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}[٤]

فلو قلنا ورسولِه بكسر اللام لفسد المعنى، وذلك بأن أصبحت الكلمة معطوفة على المشركين، وهذا معنى فاسد أي أنّ الله يبرئ من المشركين ومن الرسول، لكنّ المقصود توضِّحُه حركة الضم على اللام، وبالتالي تكون كلمة رسولُه مرفوعة على الابتداء أي ورسولُه بريء من المشركين.

  • المثال الرابع: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[٥]

ودلالة الإعراب في المعنى هنا جليّة واضحة؛ فالعلماء هم من يخشون الله -سبحانه- مع أن الفاعل هنا قد تأخّر، ولو اعتمدنا على موقع الفاعل والمفعول به في الترتيب الأصلي للجملة الفعلية لفسد المعنى تمامًا؛ فالإعراب هو من يوجه القارئ نحو الوجهة السليمة للمعنى المراد.

ارتباط الإعراب بالنحو

يرتبط الإعراب بالنحو ارتباطا وثيقا حيث يعدّ الإعراب جزءًا مهمًّا من النحو، وهو أهمّ الظواهر النحوية وأبرزها، وقد قام العديد من علماء اللغة باستقراء لغات القبائل العربية والوقوف على ضوابط لهجاتها بعد أن شاع بين العرب والعجم المسلمين اللحن، ومن أهم العلماء المسلمين الذين كانت لهم آراء ودراسات مهمة في الإعراب: سيبويه، المبرد، الجرجاني، حيث استقروا لهجات القبائل، وضبطوا العلل وحدّدوا القياسي من الشاذ.[٦]

أهمية الإعراب

للإعراب أهمية كبرى نفصلها على النحو الآتي، حيث إنّه:[٧]

  • يعطي المتكلم والكاتب حرية التصرف في بناء تراكيبه لتخدم غرضه البلاغي، مع الحفاظ على دلالة الكلمة النحوية، فمثلا قد يحتاج الكاتب أو المتكلم إلى تقديم المفعول به وتأخير الفاعل لدلالة بلاغية، ولولا حركات الإعراب لما ميّز المتلقي الدلالة النحوية لكلّ كلمة.
  • يكسب الكاتب والمتكلم قدرة على الإبداع ونقل الكلمات بحرية داخل الكلام حسب أهميتها مع الاحتفاظ بدلالتها وسنعرض أمثلة على ذلك.
  • يزيل الشكّ عن بعض الأساليب التي يحار القارئ في تحديد دلالتها.

المراجع

  1. جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام، صفحة 28-40 16. بتصرّف.
  2. د سامي عوض، ظاهرة الاعراب، صفحة 5. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث د سامي عوض، ظاهرة الإعراب، صفحة 6. بتصرّف.
  4. سورة التوبة، آية: 3
  5. سورة فاطر، آية: 28
  6. د سامي عوض، ظاهرة الإعراب وموقف علماء العرب قدامى ومحدثين، صفحة 12. بتصرّف.
  7. د سامي عوض، ظاهرة الاعراب وموقف علماء العرب قدامى ومحدثين، صفحة 6-7. بتصرّف.
4339 مشاهدة
للأعلى للسفل
×