نشأة اللسانيات

كتابة:
نشأة اللسانيات

تاريخ نشأة اللسانيات

يُقال إن علم اللسانيات قد بدأ عند دوسوسيير، والصّحيح أنّ الحديث عن اللغة ونشأتها وعوامل وجودها قد بدأ منذ القدم، لكنّه بدأ في العصور القديمة على شكل تأمّلات فلسفية، ثمّ تطوّر إلى أن أصبح نظريّات ودراسات قامت على أسس علمية ومنهجية في أواخر القرن التّاسع عشر.[١]


وقد مرّت الدّراسات حول اللغة عبر عصور ثلاث، وهذه العصور هي القديمة والوسطى والحديثة، وفيما يأتي شرح وتفصيل التّطوّر الذي مرّت به.[١]


الدراسات اللغوية في العصور القديمة

إنّ الدّراسات اللغويّة المتعلّقة باللّغة قد بدأت جذورها في العصور القديمة، فمنذ القدم ظهرت محاولاتٌ كثيرة لتفسير اللغة وتحليلها وتحديد أصولها، ومن ذلك مثلًا:[١]


اللغة الأولى في العالم

قرر الملك المصري "بسامتيشوس" أن يجري تجربة لمعرفة اللغة الأولى في العالم، فأمر بعزل طفلين منذ ولادتهما، وتركهما بمعزلٍ عن العالم إلى أن ينطقا، فقد ظنّ أنّهما سيتكلّمان اللغة الأولى في هذا العالم لأنهما لم يتأثرا بأحد.[١]


ولمّا التقى الملك بهما نطقا بكلمة "بيكوس"، وعندها استخلص الملك أنّ اللغة الأولى في العالم هي اللغة الريجية، إذ تنتمي تلك الكلمة التي نطقا بها إلى اللغة الريجية، أمّا بالنسبة للكتابة فقد أرجعها المصريون القدماء إلى الإله "توت".[١]


اللغة عند الصينيين واليهود والهنود

أرجع الصينيون القدماء نشأة اللغة إلى أحد أمرين، فبينما يرى بعضهم أنّها من صنع الطّبيعة، فإنّ آخرين يرون أنّها من قبيل الاصطلاح والمناسبة بين الدّال والمدلول، أمّا اليهود فإنّهم يرجعون اللغة إلى كونها توفيقًا وإلهامًا من الله، ولا سيّما أنّهم شعبٌ سامٍ وأصحاب ديانة.[١]


أمّا الهنود فقد سبقوا نظراءهم الإغريق بالبحوث اللغوية مدة طويلة من الزمن، وقد اتّسمت أبحاثهم بالموضوعية؛ إذ إنّ هناك كثيرًا من الأفكار والنتائج التي خرجوا بها تُشبه ما جاء في علم اللسانيات الحديث، وقد كانت أشهر البحوث اللغوية الهندية على يد العلّامة الهندي الشهير "بانيني"، الذي حلّل كل مظاهر اللغة السنسكريتية وقَنّنها.[١]


اللغة عند الإغريق والرواقيين

أمّا الإغريق فقد بدأت بحوثهم في القرن السادس قبل الميلاد، ولعلّ أشهر باحثيهم: "بروثاغوراس" وأفلاطون" و"أرسطو"، ثمّ جاء بعد ذلك الرواقيون، والذين يُعدّون أهم مدرسة فلسفية بعد أرسطو.[١]


وقد عالجوا المسائل اللغوية حسب طبيعتها في فروع منفصلة ومنتظمة، وذلك كعلم النحو والبلاغة والدلالة والأسلوبية والصوتيات والإيتيمولوجيا، وأعطوا أهميّة كبيرة لثنائيّة الشّكل والمعنى في دراسة اللغة.[١]


اللغة عند الإسكندريين والرومانيين

بعد ذلك، جاء الإسكندريون وامتدّ عهدهم من 300 إلى 150 ق. م، حيث بلغت الدّراسات الإغريقية أوجها فيه، وابتكرت فيه الكتابة الإغريقية التي ما زالت معروفة حتّى يومنا هذا، ثمّ جاء الرومانيون وبدأت المحاولات الرومانية في الكشف عن اللغة أيضًا، وظهر العديد من العلماء والمفكّرين والباحثين.[١]


الدراسات اللغوية في العصور الوسطى

تمتدّ العصور الوسطى من 476 م إلى 1500م؛ أي منذ انهيار الإمبراطورية الرومانية إلى بداية عصر النهضة الأوروبية، وقد شهدت هذه المدّة أيضًا كثير من المحاولات العلميّة المتعلّقة باللغة، إذ اهتمّ الباحثون بوضع الشّروح للنصوص باللغات العامية المتنامية، وقد كتبوا أيضًا الكلمات اللاتينية عامّة، والصعب منها بشكلٍ خاص وإيجاد ما يقابلها من اللغات المحكيّة.[٢]


أمّا عن الدراسات النحوية فقد التزم علماء هذا العصر بتطبيق ما جاء عن الإغريق، وإن كانت المرحلة الأولى من هذا العصر قد اتّسمت بالضّعف، إلّا أنّ المرحلة الثّانية ما بين 1100م إلى نهاية الحركة القروسطية قد شهدت تقدّمًا ملحوظًا في دراسة اللغة اللاتينية وتثبيت القواعد التقليدية المتّبعة اليوم.[٢]


في سنة 1199م ألّف الإسكندر دي فيلاداي كتابًا مدرسيًّا في النحو اللاتيني على شكل متون شعرية، وفي القرن الثاني عشر الميلادي ظهر كتابٌ قيّمٌ بعنوان "أول رسالة في النحو"، كما كان هناك كثير من المؤلّفات الأخرى فيما يتعلّق باللّغة وعلومها.[٢]


الدراسات اللغوية في العصور الحديثة

يُطلق الباحثون اسم "لسانيات النهضة" على الدّراسات المتعلّقة باللّغة، وقد شهد العصر الحديث نشاطًا فكريًّا كبيرًا، كما زاد الاهتمام باللغة وبكلّ ما يتعلّق بها، من إحياء للهجات الأوروبية المتنامية، واكتشاف لغات جديدة، ووضع قوانين تحكم اللغات، والاهتمام بالآداب بأشكالها المختلفة.[٣]


شهد هذا العصر إقبالًا كبيرًا على دراسة اللغات الآرية والشّرقيّة؛ نظرًا لما تحمله هذه اللغات من تراث عريق، فقد تقننت في هذا العصر القواعد، فظهرت عدّة مؤلّفات تدور حول القواعد الأساسية للكتابة الصّحيحة والكلام الفصيح، وذلك على نحو ما ألّفه "إراسموس" في قواعد اللاتينية.[٣]


ظهر العديد من المدارس اللغوية في هذا العصر، وأشهرها مدرسة "بور روايال"، وأُنشئت معاجم لغوية للاهتمام باللغات الوطنية، مثل المجمع الملكي عام 1662م، للحفاظ على اللغة الفصحى، وجرتْ المحاولات لإنشاء لغة عالمية، وأجريت عدة دراسات حول علم الأصوات اعتمدها اللسانيون في أبحاثهم لاحقًا، فظهر منهج اللسانيات التاريخية، الذي يدرس اللغة الواحدة في إطار تطورها عبر الزمن.[٣]


أيضًا ظهر المنهج المقارن، الذي يهدف للكشف عن القرابة الموجودة بين اللغات والنقاط التي تجمعها، وهناك أيضًا المنهج إعادة التركيب اللغوي أو الداخلي، وهذا المنهج يقوم على إعادة البناء اللغوي دون المقارنة، وأيضًا هناك المنهج الفيلولوجي، وهذا المنهج يهدف إلى مقارنة النصوص المكتوبة داخل اللغة الواحدة عبر مراحلها التاريخية المختلفة.[٣]


أبرز الآراء النقدية حول نشأة اللسانيات

لم يذكر الباحثون كثيرًا من الآراء حول نشأة اللسانيات في المراجع المكتوبة باللغة العربية، ولكن أشهر الآراء يقول إنّه قد ظهر مصطلح اللسانيات أول مرّة في ألمانيا، ثمّ استعمل في فرنسا سنة 1826م، بعد ذلك استعمل في إنجلترا ابتداءً من سنة 1855م.


ثم ظهر مصطلح اللسانيات في الثقافة العربية المعاصرة ابتداءً من 1966م وذلك على يد عالم اللسانيات الجزائري عبد الرحمن الحاج صالح، الذي اقترح صيغة "لسانيات" على صيغة "رياضيات" التي تفيد العلمية.[٤]


المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر أحمد مؤمن، اللسانيات النشأة والتطور، صفحة 1 - 12. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت أحمد مؤمن، اللسانيات النشأة والتطور، صفحة 29 - 37. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث منذر عياشي، مناهج اللسانيات ومذاهبها في الدراسات الحديثة، صفحة 13 - 20. بتصرّف.
  4. زهرة شيباني، العامل النحوي في الدرس اللساني المعاصر، صفحة 58 - 65. بتصرّف.
6749 مشاهدة
للأعلى للسفل
×