محتويات
المقدمة: للإنترنت يد تبطش ويد تربت
في عصر التكنولوجيا والسرعة، صار الإنترنت والتواصل عن بعد هو سيد الموقف في كثير من تفاصيل الحياة، حتى كاد يكون هو الحل الأول والأفضل والأمثل للأمور كلّها إذا أردنا تسليط الضوء على فوائده وأضراره، فهي كثيرة لا تُعد ولا تُحصى، هو سلاح ذو حدين، يفيد ويفتك، يبني ويهدم، وذلك كله متوقف على الإنسان الذي يستعمل الإنترنت، وكيف يوجهه، وبأيّ طريقة يستخدمه. من المهم أن يكون كل فرد واعيًا لقيمة هذا الإنترنت من جهة، وحذرًا من أخطاره وما يوصل إليه من جهة أخرى.
العرض: يحدثني الإنترنت كأنه رجل ناضج
عندما تتجه كل التطلعات وكل الأعمال إلى الاعتماد على الإنترنت، فإن هذا يعني أن الإنترنت سيكون الصديق الملازم دائمًا لكل إنسان، بل إنه سيصير من المستحيل العيش ولو لدقيقة واحدة دون اتصال بالإنترنت، وهذا هو الواقع الملموس في كل أنحاء العالم، وهذا الأمر يجعلنا نعيد التفكير في هذا الإنترنت الذي غزا كل تفاصيل حياتنا دون سابق إنذار، وتغلغل في عقولنا بهدوء حتى استقر وثبّت أركانه، ما إن نبحث عن أمر واحد حتى يظهر لنا كل ما نريده وما لا نريده من المعلومات القريبة والبعيدة عن مجال بحثنا، فكيف له أن يعرف ما يجول في ذهننا وما فعلناه: هو مجرّد ضغطة زر حسب.
كلما زاد استعمالنا للإنترنت ووسائله المختلفة، زاد اقترابنا منه واعتمادنا عليه، فعلى صعيد الدراسة والبحث مثلًا، صار الطالب في المدرسة أو الجامعة أو حتى في الصفوف الابتدائية يستثقل فتح الكتاب والبحث عن المعلومة، ويجد الإنترنت الخيار الأمثل والأسرع، يكتب كلمة واحدة فتظهر له كل المعلومات التي يريدها، حتى إنه لا يحتاج أن ينقلها بيده بل ينسخها نسخًا، حتى صار هذا الإنترنت هو العلّامة وهو الباحث وهو المفكر وهو المحلل وهو الإنسان الواعي، وكل ما يحيط به جماد، أجسام بلا أحلام، بلا فكر ولا تخطيط، فقط آلات كاتبة تكتب وتأخذ ما تريد، وهو وإنْ كان مجانيًا إلا أنه من المهم أن يعرف كل إنسان أنه إن استفاد من شيء بلا ثمن فليعلم أنه هو السلعة.
مما هو ثابت أنه لا يوجد في الحياة ما هو مجاني، بل كل شيء بمقابل، وكذلك الإنترنت، لا بد من مقابل، هو من ناحية يختصر الوقت والجهد، إلا أنه من جهة أخرى يلغي الكثير من المهارات، يقلل من الشغف للمعرفة، وحب الاطلاع وقراءة الكتب، والبحث في مصادر مختلفة ومتنوعة، فلماذا يا ترى يقدم الإنترنت كل هذه الخدمات مجانًا؟ لا بد من محاكمة عقلية وتفكير منطقي، فلا يمكن الانجراف وراء كل شيء جديد لمجرد أن الجميع يقوم به، بل لا بد من قرار ومبدأ ثابت، وكما أنه من الضروري الاطلاع على كل ما هو جديد، فمن ناحية أخرى لا بد من الحفاظ على الثوابت، فلولا القديم لما وصل الجديد إلى ما هو عليه الآن.
مما هو لافت للنظر في الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أنها تساعد الكثير من البشر في كل المجالات، وكأن الإنترنت رجل ناضج واعٍ لكل تفاصيل الحياة، وهذا النضج الموجود في الإنترنت يحتاج لإنسان ناضج بالمقابل يتعامل معه ويفهم حدوده جيدًا، فمن غير الممكن ترك هذا الإنترنت بين يدي الطفل الصغير دون رقيب أو موجه يوضح المحاذير والمخاطر له ويبعده عما يشوه قيمه وأخلاقه ومبادئ دينه، وليست قليلة تلك القصص التي سُمعت عن أطفال تُركوا دون توجيه يستعملون الإنترنت بعشوائية، وكان مصيرهم سيئًا ومهلكًا لهم ولعائلاتهم، لا سيما في مجال الألعاب الإلكترونية وما فيها من سيطرة على أدمغة الأطفال وتشويه لأفكارهم أوصلت الكثير منهم إلى حد الانتحار.
من المهم أن يقوم الأهل أولًا بالتوعية والتنبيه المستمر لأخطار الإنترنت، وهذا التنبيه يكون بدايةً بانتباه الأهل لأنفسهم قبل انتباههم لأولادهم، وعندها يكونون هم القدوة ويعرفون كيف يوجهون دفة السفينة لما فيه خير للأولاد في حياتهم، فمن المهم أن يتخذ الأهل قرارًا حاسمًا في هذا الأمر، إن لم يقتنع الأولاد بالكلام والحجج والبراهين فلا بد من بعض القسوة في الحرمان من الإنترنت والأجهزة المحمولة، لأن هذا مما يصب في مصلحتهم وللحفاظ على شخصياتهم وأخلاقهم ومبادئهم، فكما أن الأهل يعطون الدواء المر لأولادهم وإن لم يقتنعوا به، فكذلك ينبغي حرمانهم مما يضرهم في الإنترنت وإن لم يقتنعوا به.
وبعد ذلك يأتي دور المدرسة والتعليم والمحيط الاجتماعي، فكلما نشرت المدرسة الوعي والتحذيرات، واهتمت المجتمعات بمؤسساتها الدينية والاجتماعية بنشر الوعي في استخدام الإنترنت، استطاعت الحفاظ على البنيان الاجتماعي قويمًا قويًا سليمًا، بل من الممكن أن تتخذ الحكومات نفسها قرارات حاسمة في حجب الكثير من المواقع على الإنترنت التي تؤدي إلى انحلال المجتمع وتفتت أواصره وانتشار الآفات الاجتماعية فيه والوصول إلى الجرائم والفساد في كل مناحي الحياة، وإذا تمكنت الحكومات من الالتزام بهذا القرار وتوجيه المجتمع لما فيه خير ومصلحة له فإنهم سيكونون خير قادة للمجتمع وللبلاد.
قد ينظر بعض الناس إلى الشخص الذي يحد من استخدام الإنترنت ولا يتفاعل مع كل ما فيه من تطور أنه إنسان متخلف ورجعي ولا يواكب التطورات، إلا أن الحقيقة أن هذا الإنسان هو الواعي وصاحب العقل المفكر القادر على تحديد أولوياته في الحياة، يطّلع على كل جديد في الإنترنت، فيأخذ ما يعنيه ويخدمه في الحياة، وينبذ ويرفض كل ما يضره ويشتت فكره ويدمر حياته ويهدر وقته، وهذا هو التصرف السليم الذي ينبغي أن يكون عليه كل الناس الذين يستخدمون الإنترنت، عندها سيكون الإنترنت مفيدًا بكل تأكيد، أما الانجراف وراء الإنترنت بكل تفاصيله الجيدة والسيئة فهذا سيجعله هو السيد والمتحكم بعقول الناس وأفكارهم وتصرفاتهم.
الحكمة هي أساس الحياة والتعامل مع كل ما هو جديد في الحياة، فمثلًا عندما بدأ انتشار التلفاز في العالم كانت المحطات التلفزيونية محددة ولها وقت معين، وبعدها يُغلق التلفاز، وكانت الأمور جيدة، ولكن ما إن اتسعت دائرة القنوات التلفزيونية وتعددت وجهات النظر التي تُعرض دون قيد أو شرط أو مراعاة لأخلاق المجتمعات بدأت المشاكل تكبر، وكذلك الإنترنت، كلما اتسعت دائرته كلما صار الخوف على العقول والمجتمعات وأفرادها أكبر، فلا بد من الوعي والحكمة والتفكير الصحيح في كل تصرف وكل خطوة وإن كانت مخالفة لمسار الكثير من البشر في الحياة.
الأمثلة عن الحكمة والوعي في استعمال الإنترنت كثيرة، فكم من مستثمر استطاع أن يحول عمله كله إلى الإنترنت، وازدادت أرباحه وتضاعفت، لأنه عرف كيف يستثمر هذه الخدمة لصالحه وبما يخدم عمله، وكم من طالب علم استطاع أن ينتقي من ملايين المواقع الإلكترونية مجموعة من المواقع الموثوقة التي توجهه وتدله على ضالته، وهي في قمة الثقة والضمان والأمانة العلمية في كل المعلومات التي تقدمها للقارئ، وهذا يدل على حكمة في استخدام الإنترنت، وهذا ما ينبغي فعله، وعندها سيكون الإنترنت بنظر كل إنسان هو رجل ناضج فعلًا.
ومن جهة أخرى الأمثلة على الجهل وقلة الوعي في استعمال الإنترنت كثيرة أيضًا: فالطفل الذي لم يشتد عوده يحمل في جيبه هاتفًا محمولًا، يغلق باب غرفته والهاتف معه، ولا يعلم الأهل ما الذي يحصل، وكيف يتلاعب الإنترنت بعقله وأفكاره، وفي النهاية عندما يكبر، يستغربون من سلوكياته وأخلاقه التي تخالف ما ربوه عليه، وما ذلك ببساطة إلا لأن الإنترنت والهاتف حقيقة هو الذي رباه لا الأهل، وليست بسيطة هي حالات الاكتئاب والأمراض النفسية التي يُسمع عنها لدى الشباب والأطفال بسبب الإدمان الإلكتروني، ووصول الأهل إلى عدم القدرة على السيطرة على أبنائهم أو فرض بعض الأمور عليهم، وهذا أمر خطير لا بد من التنبه إليه.
كلما تطور الإنترنت، كبر الانجراف وراءه، وهذا ما يجعل دائرة الخطر تتسع، وكلما اتسعت دائرة الخطر، تهدد الجيل بمزيد من الانحدار الفكري والأخلاقي والديني، فلا بد من وعي كبير، وانتباه وتحذير، وتوجيه سليم لكل صغير وكبير في الإنترنت واستعماله والاستفادة منه جيدًا.
الخاتمة: متى يتحول الإنترنت إلى عالم مشاغب!
الإنترنت عالم فيه فوائد عدة ومنافع جمة، وفي المقابل له مخاطر كثيرة، أما الفوائد فلمن يُحسن استخدام الإنترنت واستغلاله، ويعرف كيف ينهل من نبعها، أما بعضهم -للأسف- يجعل من الإنترنت وسيلة للتسلية والمتعة الترفيه، ومتابعة كل شيء سواء كان يلزمنا أولا يلزمنا، ينفعنا أو يضرنا، وذلك تحت شعار: أننا يجب أن نواكب، لكن هذه المواكبة العمياء ستحول الإنترنت إلى عالم مشاغب مملوء بالصخب، يشوه العقل والأفكار، ويتعب التفكير ويشتته، فيصبح هذا الإنسان هائمًا على وجهه في الحياة لا يستطيع أن يتخذ قرارًا أو يفكر بأمر دون الإنترنت، وهنا الطامة الكبرى.
قد يساعدك قراءة مقال مشابه في كتابة التعبير الذي تريد، ننصحك بمقال: موضوع تعبير عن الإنترنت.