محتويات
المقدمة: المعلم حامل لواء المعرفة
إنّ المعلّم المعطاء هو خيرُ إنسان على هذه البسيطة، فهو يُعطي بدون سبب ويمنح إلى ما لا نهاية، يعطي من معرفته ومعلوماته دون أن يبخل بأيّة معلومةٍ هو يعرفها، وينير درب الفتيات والشباب ويعمل جاهدًا في سبيل صناعة عقول نيّرة تسعى بقوة نحو بناء مجتمع قويّ ومترابط أكثر من أيّة مهنة أخرى، كما أنّ المعلم يحمل مسؤولية بناء أجيال سلاحها العلم، والمعلم يحمل مسؤولية الدفاع عن البلد وحمايته من خلال ما يزرعه من أفكار في أدمغة وعقول طلابنا؛ إذ ينقش الوعي بالمسؤولية الوطنية وحب الوطن منذ الصغر حتى تصبح أحفورة لا يمكن زوالها وتغيُّرها مع الزمن.
العرض: المعلم باني الحضارة
يحمل المعلم لواء المعرفة، فهو بلا ريب يمتلك من المعرفة والخبرات في كثير من الأمور، كما أنه كنبع الماء الذي يسعى في الصحراء الخالية والقاحلة فيمهدها ويرويها ويعتني بها أيما عناية حتى تصبح خضراء يانعة تزهو بزهور العلم والمعرفة، إن المعلم بمعارفه الكثيرة يكون نبعًا متدفقًا من المعلومات وهذا النبع لا ينضب، ولا يشعر بالممل فهو يحمل رسالةً دائمة مليئة بالحب والعطاء، وهو ذو نفسٍ عطوفة رحيمة تعطي بلا تسرع، ويتمهل المعلم العطوف مع الطلاب الضعفاء ويتعامل معهم بطريقة تناسب استيعابهم.
يبقى المعلمُ نبعًا للعلم يانعًا رقراقًا يسقي الوديان والسهول ويتجاوزها حتى يصل أبعد مكان في الأرض؛ فالمعلم المخلص والوفي عندما يصب في أدمغة الطلاب معلومات صحيحة مثبتة وخالية من أي أخطاء، فإنه يُثبِّت بذلك أعمدة راسخة من العلم والمعرفة التي ستنتقل بين الناس كما ينساب الماء في الأرض عابرًا الحدود والآفاق دون رادع ولا حد، فيبني بذلك أعظم الحضارات التي تكبر وتزدهر عبر الزمن، إنّ دور المعلم في هذه الحياة تمامًا كدور المرشد الذي يقود الطلبة في رحلةٍ للمعرفة تظل طوال سني دراسته، فيعلمهم الخطأ والصواب وما هو جيد وما هو سيئ في هذه الحياة ويشرح لهم المعلومات بطرق مبسطة خالية من التعقيدات.
يساعد المعلم طلابه في الوصول نحو الطريق الصحيح، ويُهيّئهم لمواجهة الحياة والسير في خطىً ثابتة، فهو أب مخلص يحمل على عاتقيه بناء الحضارة وازدهار الأمم، ويتحمل تعب ومرارة التعليم، كما أن الطلبة المثابرين هم من يصبرون على مشاق التعليم ومرارته، واحتملوا ذلك كله في سبيل الارتقاء والعلو، وكما قال الإمام الشافعي يومًا:
وَمَن لَم يَذُق مُرَّ التَعَلُّمِ ساعَة
- تَذَرَّعَ ذُلَّ الجَهلِ طولَ حَياتِهِ
وَمَن فاتَهُ التَعليمُ وَقتَ شَبابِهِ
- فَكَبِّر عَلَيهِ أَربَعاً لِوَفاتِهِ
وَذاتُ الفَتى وَاللَهِ بِالعِلمِ وَالتُقى
- إِذا لَم يَكونا لا اِعتِبارَ لِذاتِهِ [١]
ما أجمله من معلم وما أعظمه من فضل للمعلمين يعود على الطلاب! فمن المستحيل أن يعرف الإنسان طريقه دون أن يتعلم، ويعرف المجهول الذي يسعى للسير فيه إلا بالتعلُّم وعلى يد معلمٍ قدير ليس كمثله شيء في هذه الحياة، ونحن هنا لا ننكر أهمية الوظائف الأخرى فلكلّ مهمة وفضائل، ولكن المعلم يبقى ذلك النبراس الذي يضيء الكون بعلمه ومعرفته وقدرته على بناء الحضارات العريقة.
لا يمكن نسيان فضل أول مُعلّم للبشرية وهو معلم الخلق أجمعين سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، الذي بعثه الله لينتهي على يديه عصر الجاهلية والضلال، ويبدأ عصر المعرفة والنور، وكذلك كان دور الأنبياء جميعًا الهداية والنور ونشر الفضيلة وبناء الأمم والحضارات، ولا يمكن إنكار تلك الحضارة الإسلامية التي قامت بعد إرسال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- هادي الأمة، وهي الحضارة التي كانت بدايةً لكل علم ومعرفة، فكم من العلماء المسلمين الذين برزوا وصار علمهم منبعًا وأساسًا لكل علم.
قد رفع النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- مكانة العلم والمعلمين، وكان يدفع الأسرى المتعلمين من المشركين إلى تعليم عشرة من أبناء المسلمين، مستغلًا بذلك علمهم في بناء الإنسان والحضارة، ورفع صروح عالية من المعرفة، وما أجمل ذلك المعلم الصبور الذي يعطي بدون كلل أو ملل فهو لا يلقي المعلومة في رأس طلابه ويذهب، وإنما يتعب ويجد ويجتهد في تجهيزها وصبها وتثبيتها، ولا يشعر بالملل من إعادتها على نحو متكرر حتى تستوعبها عقولهم وتسري في خلاياهم كما يسري الدم في أوردتهم وشرايينهم.
ما أجمل تلك السعادة التي يصبها المعلم في قلوب طلابه، فكل طالبٍ ينجح ويفلح تغمره سعادة ليس لها مثيل، وها أنا في هذا المقام إذ أتذكر تلك المعلمة التي كانت تشرح للطلاب جميعًا معًا ومن ثم تعيد الشرح نفسه وبطريقة أبسط لي؛ لأنها وجدت عندي قصورًا في إحدى النواحي في مادة الرياضيات، ما أجملها من سعادة عندما حصلتُ على علامات مرتفعة في الاختبارات الشهرية والفصلية التالية!.
كما أن للأهل سعادة لا تقدر بثمن، خاصة عندما يعود الطالب للبيت وفي عقله كمية هائلة من المعلومات حول موضوع معين، ويبدأ بالحديث مع والديه عن تلك المعلومات وكله ثقةٌ بما تمكّن من معرفته، أخيرًا ما أسعد الأبوين عندما يستمعان لابنهما وهما على يقين بأنه سيكون ذا مستقبلٍ باهر بعلمه ومعرفته التي اكتسبها وسيكتسبها من معلميه الأفاضل طوال حياته العلمية، فهو في أيدٍ أمينة وعقول مخلصة تنثر عبيرها في الأنحاء.
من الجدير بالذكر أن لكل معلم وجهة نظر مختلفة، ومما ينتج عن تلك الصفة الجميلة أن يكون لدى الطالب وجهات نظر متعددة؛ إذ يستقي من كل معلمٍ وجهة نظر مختلفة فيتلعم تعدُّد الآراء والأفكار ويصبح لديه تنوع فكري عميق لا يمتلكه الكثيرون، كما يتعلم أنّ لكل إنسان في هذا الكون أفكارًا ووجهات نظر مختلفة عليه احترامها وتقبلها واستيعابها جيدًا، قال الشاعر أحمد شوقي:
قُم للمعلّم وفّه التّبجيلا
- كادَ المُعلّمُ أن يكونَ رسولا
أَعَلمت أشرفَ أو أجلّ من الذي
- يبني وينشئُ أنفُسًا وعقولا [٢]
الخاتمة: المعلم يد تزهر مستقبلًا
ما أجمل تلك الأيادي البيضاء التي تزرع العقول والقلوب بكل حبٍ ونقاء، فيزهرُ عنها مستقبلٌ باهر لأبناء هذا الوطن الغالي؛ إذ يعمل كل هؤلاء في سبيل نصرة وطنهم ورفعهم نحو المعالي، فهم يرتفعون ويرفعون معهم وطنهم الغالي بدون مقابل، فقد تعلموا ذلك عن معلميهم المخلصين الذين سقوهم حب الوطن والاهتمام به ورعايته ورعاية أنفسهم قبل ذلك فهم أساس كل وطن مزهر، ولا ننكر أن المجتمعات التي تُقلّل من شأن المعلمين ويعمها الجهل هي مجتمعات ضعيفة خالية من معالم الازدهار.
قد يفيدك قراءة مقال مشابه عن المعلم، إليك مقال: موضوع تعبير عن المعلم.
المراجع
- ↑ "اِصبِر عَلى مُرِّ الجَفا مِن مُعَلِّمٍ"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/7/2021.
- ↑ "قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/7/2021.