محتويات
المقدمة: الطبيب يد تداوي وكلمة تواسي
الطب تلك المهنة الإنسانية التي لا يُمكن للإنسان أن يدخلها ما لم يحمل في قلبه مشاعرًا تغمر البشرية قاطبة، إذ الطب مهنة الإنسانية على وجه الحقيقة وكيف يُمكن للطبيب أن يخدم مهنته ما لم يتمكّن من الوصول بذاته لأعلى درجات الإنسان في الإحساس بالآخرين والشعور بعذاباتهم والمبادرة إلى التخفيف منها، لا يستطيع أي إنسان أن يكون طبيبًا لأنّ تلك المهنة يتعامل فيها الإنسان مع أرواح الآخرين، فإحياء النفس لا يكون إلا بيده بعد إذن الله فهو السبب الأول في إدخال الفرحة على قلوب النّاس أو الآلام والعذابات والأحزان.
الطبيب حاضر في الحروب والكوارث
الطب تلك المهنة التي يحاول كثير من الأشخاص مزاولتها فينجح البعض منهم ويفشل الكثير، وليس ذلك بسبب صعوبة تلك المهنة على الإطلاق بل لحساسيتها وعدم قدرة أي شخص على إتقانها أو مزاولتها، إذ ليس المطلوب فيها فقط حفظ كمّ هائل من المقررات في كل عام، بل المطلوب أيضا التحلي بالأخلاق النبيلة، ليصل الطبيب إلى أعلى درجات الصبر والإتقان، حتى يكون الطبيب في تصرفاته محاضرًا للعالم في مادة الأخلاق، تلك المادة التي يجب أن تتربع على عرش كل إجازة من كلية الطب.
ولو نُظر إلى مهنة الطبيب من زاوية أخرى فإنّها على شرفها تعد من أصعب المهن وأشقها، ففي الحوادث لا يكون سوى الطبيب سيد الموقف فهو يمضي غير مبال بالمخاطر التي سيتعرض لها، وأبرز مثال على ذلك فايروس كورونا الذي غزا العالم وراح ضحيته العشرات من الأطباء من مختلف البلدان، أمّا الحروب التي لا يذهب ضحيتها سوى الإنسان يكون فيها الطبيب هو المبادر الأول الذي يسعى لإنقاذ الأرواح والتخفيف من الجروح والآلام، الطب هو المهنة التي تختص بإنقاذ الناس من الموت إلى الحياة.
كم يحاول الطبيب أن يكون ملك الرحمة الذي يسعى إلى إنقاذ أرواح الآخرين، ليس ذلك فحسب إذ يطلب منه أن يكون إنسانًا قبل أن يكون طبيبًا وأن يتحلى بأخلاقيات تلك المهنة الشريفة العظيمة فلا يبخل بأي لفظة من شأنها أن تطمئن مريضه بل يحاول أن يزرع الأمل في نفوس فاقديه، الطب هو أن يحيي الطبيب في نفس المريض حب الحياة بعد أن يئس منها ومن ثم ينير له العالم ولو كان بقبس بسيط أو حتى ظل شمعة، لا يُمكن للإنسان أن يتخيّل الطبيب إلا ذلك الشريف الكاتم لأسرار مرضاه المحب لمهنته المتفاني لأجلها.
لما يخاف المريض من طبيبه وتدخل خيوط الرعب بين جنبات نفسه فإنّه لا يجد نفسه إلا وقد تأمل من طبيبه الكثير، فيذرف الدموع أمامه ويحمل ذلك الطبيب في نفسه ليس همّ عمله فقط بل هم تلك الآمال التي علقها المريض عليه، إنّ الطب حقيقة هو رسالة سامية لا يستطيع حملها سوى من أقسم على حمايتها بنفسه وروحه، فهنيئًا لمن استطاع تأدية تلك الرسالة السامية بكل أمانة وصدق، فأدى ما أراده الله منه وأرضى ضميره فنام هانئ البال مرتاح الفكر طيّب النفس لا يأبه إلا بمهنته وصدق ذاته معها.
إنّ الطبيب من أعظم الأشخاص الذين يشرفون على أمان الحياة في المجتمعات الإنسانية وهو من أكثر الأشخاص الذين يبذلون جهدًا عظمًا في سبيل الآخرين، عدا عن كبت الطبيب لنفسه ومشاعره من الضيق والملل والتعب والإرهاق التي قد تظهر للمريض، فيُحاول دائمًا أن يكون مبتسمًا هادئًا محتملًا لاستفسارات الزائرين وقلقهم، وهذا بحدّ ذاته منهك للأعصاب والنفس والروح، فلا يُسمح له سوى أن يكون ذلك الإنسان الكامل المرسوم في أذهان الناس، ولو خالف التصورات لرُمي بأبشع الاتهامات وأولها التخاذل عن خدمة الآخرين.
إنّ كل مهنة يختارها الإنسان لنفسه في هذه الحياة لا بدّ أن يتعب من أجلها ويستهلك جسده بها، لكن احتمالية تجاوز الخطأ في كل مهنة يختلف عن المهن الأخرى، فلو أخطأ النجار مثلًا في حساب الأطوال والمسافات لنتج عن خطئه بابًا غير جيد يُمكن تبديله والانتهاء من المشكلة، ولو أخطأ الطبّاخ في طهي الطعام لاستطاع أن يعيد المحاولة من جديد دون خسائر عظيمة تذكر، لكن بعض المهن يكون فيها الخطأ قاتلًا يمكن أن يودي بحياة إنسان إلى الجحيم ويرميه في الهاوية وهو على قيد الحياة بسبب خطأ واحد، لذا فإن الطبيب يتجنب كل أسباب الخطأ.
ولو بُحث في شتى الكتب عن أهم ما يجب على الطبيب أن يتحلى به فإنّ الباحث لن يجد أكثر من الإنسانية مطلبًا لكل طبيب، تلك المهنة الشريفة التي لا يستطيع مزاولتها سوى من أقسم على حمايتها والحفاظ عليها وتأديتها بأمانة وصدق، إنّ كل إنسان يُعرف معدنه في الشدائد والملمات والطبيب تُعرف دواخله في الأوقات الصعبة التي لا يكون فيها منقذ بعد الله تعالى سواه، لذلك حري بكل طبيب أن يتمثل الأخلاق الحسنة وأن يكون تلك اليد البيضاء التي تساهم في رفع المصائب عن النّاس وتغيير السواد إلى لون أبيض ناصع تزهر الحياة به وتشرق النفس من أجله.
الخاتمة: عمل الطبيب جهد كبير وأجر عظيم
لكن هل يكون تعب الطبيب ذاك وجهده بلا أجر في الدنيا أو في الآخرة؟ إنّ أجر الطبيب في الآخرة عظيم عند الله تبارك وتعالى إذ إنّه يُنقذ أعظم مخلوقات الله تعالى على الأرض ومنهم الإنسان، ويتكبد المشاق من أجل مساعدة الآخرين وقضاء حوائجهم، أمّا في الدنيا فالطبيب هو: الشخص الذي يحظى باحترام الآخرين على الدوام فأينما يكون موجودًا يُفسح النّاس الطريق له معرفين به مجلين إياه، إنّ الطب هي المهنة التي تصقل النّفس وتروض الروح وتجعل من البشري إنسانًا حقيقيًا يشعر بآلام الآخرين ويحاول أن يخففها فيصل إلى أسمى درجات الجمال البشري الذي أودعه الله في خلقه.
إن كنت مهتمًّا بقراءة مقال مشابه، فقد يفيدك قراءة مقال: تعبير عن مهنة الطبيب.