نظريات التأثير الإعلامي

كتابة:
نظريات التأثير الإعلامي

نظريات التأثير الإعلامي

ما علاقة الجمهور بنشوء نظريّات التأثير الإعلاميّ؟

إنّ تأثير وسائل الإعلام في الجمهور له مجالات كثيرة ومتعدّدة، وبسبب تعدّد وتنوع الموضوعات والمشكلات البحثية والدراسات التي أجريت في هذا المجال، ظهرت نظريات التأثير الإعلامي، حيث تناولت بحوث تأثير وسائل الإعلام سلوك الجمهور في عدة مجالات، مثل: المجال الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي والتعليمي والديني وغيرها، وتناولت أيضًا تأثير وسائل الإعلام على الجمهور من خلال وصف فئاته: كالأطفال والكبار، والذكور والإناث، وغيرها من المتغيرات الديموغرافيّة، فمن هذه الدراسات البحثية المتعددة -والتي تتناول المتغيرات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والمجالات الاجتماعية والسياسية وغيرها- نشأت نظريات التأثير الإعلامي، والتي تنقسم إلى: نظريات التأثير المباشر، والتأثير الانتقائي، والتأثير المعتدل "غير المباشر".[١]

نظرية التأثير المباشر

لماذا اصطُلحَ على هذه النظريّة اسم "الرّصاصة السحريّة"؟

تسمّى أيضًا نظرية الحقنة تحت الجلد أو نظرية الرصاصة السحريّة، أولى نظريّات التأثير الإعلامي، تفترض هذه النظرية أنّ وسائل الإعلام والاتصال تؤثّر بشكل مباشر وسريع في الجمهور، وأنّ استجابة الجمهور للرسائل تكون مثل رصاصة البندقية تؤثّر بشكل سريع ومباشر بعد انطلاقها، وظهرت على يد "هارولد لازويل" في الحرب العالمية الأولى، ونشأت النظرية باعتبار الدعاية في وسائل الإعلام أداة للتأثير في مواقف الجمهور وسلوكهم وأفكارهم.[٢]


حيث كان اعتقاد علماء الاتصال في بدايات القرن العشرين أنّ الجمهور بمستواه العام سلبيّ، يتقبّل جميع المواد والرسائل الإعلاميّة التي يتمّ بثّها، وأنّه يمكن التلاعب ويتقبل كل ما يرسل إليه، فأصحاب هذه النظرية يرون أنّ لوسائل الإعلام تأثيرًا مباشرًا على الجمهور وبصورة مباشرة، وهذا أساسه أنّ الرسالة الإعلاميّة تشكّل عنصرًا قويًّا في التّأثير عليهم، ولهذا أطلِق أصحاب التوجّه على النظريّة الحقنة تحت الجلد أو نظريّة الرّصاصة السحريّة.[٢]


ما هي الفرضيّات التي قامت عليها نظريّة الحقنة؟

وضع عالم الاتصال "ولبور شرام" نظرية الرصاصة السحرية أو الحقنة تحت الجلد، حيث كان يرى ما تبثُّه وسائل الاعلام، كأنّها رصاصة سحريّة تقوم بنقل المشاعر والأفكار من عقل الآخر، ولِنظريّة الحقنة أو الرصاصة فرضيّات قامت عليها، وهي:[٢]



  • تقوم وسائل الإعلام بتقديم رسائلها إلى الأغنياء من الجمهور في المجتمع، والذين يستخدمون تلك الرسائل بشكل متقارب.
  • تحتوي الرسائل التي تقدمها وسائل الإعلام على منبّهات أو مؤثرات تؤثر تأثيرًا فعالًا في مشاعر وعواطف الأفراد.
  • تقوم الرسائل الإعلامية بِجَعل الأفراد يستجيبون بشكل متماثل إلى حدّ ما.
  • تعدّ تأثيرات وسائل الإعلام على الجمهور قوية ومتماثلة ومباشرة.
  • يتلقى الفرد المعلومات من وسائل الإعلام بشكل فردي وبلا وسيط.
  • لا يعتمد ردّ الفعل على تأثير المتلقين ببعضهم، أنّما بشكل فردي.



هذه الفرضيات تدلّ على أنّ الرسائل في هذه النظرية تخاطب الفرد بصورة خاصة، حيث لا تعتمد على قادة الرأي ليؤثّروا في الجمهور، قام الباحث "كارل هوفلاند" برئاسة مجموعة من علماء النفس في جامعة بيل الأمريكية بأول بحث حول هذه النظرية، وبدعم من الجيش الأمريكي، من أجل عمل برنامج يقوم على إقناع الجنود بالقتال وإقناعهم بعدالة ما يقاتلون من أجله خلال الحرب العالمية الثانية، فقاموا بتوجيه رسائل باتجاه واحد كمبدأ عمل حقنة الإبرة إلى الجنود لإقناعهم، حتى وإن كان القتال غير شرعيّ أو عادل عند الشعوب الأخرى، لكن وسائل الإعلام الأمريكية استخدمت هذه النظرية للتأثير بشكل مباشر على الجنود، لغسل أدمغتهم، وألّا يبحثوا أو يتحقّقوا إن كان الأمر صائبًا أم خاطئًا.[٢]



مع أنّ هذه النظرية من نظريّات التأثير الإعلامي المؤثّرة بشكل مباشر، لكنْ تشوبُها بعض العيوب، مثل أنّها لم تركز نظريّة التأثير المباشر على أهمية التغذية الراجعة من قبل الجمهور، ولم تراعي وتهتم بفكر ونفسيّة الجمهور، بل فرّغت وسائل الإعلام لإرسال الرسائل فقط، حيث إنها لم تكن تحصد التأثير الذي ترغب به دائمًا، والدليل على ذلك أنّ أصحاب الاتجاهات والأفكار المختلفة عندما يريدون توجيه الجمهور إلى نحو قضية ما هذه الأيام، لا يجدون التأثر الكامل أو المطلوب، وإنّ سخر جميع وسائل الإعلام ووظفها لإحداث هذا التأثير.[٢]

نظريات التأثير الانتقائي

كيف تقيّم نظريّات التأثير الانتقائيّ علاقة الجمهور بوسائل الإعلام؟


بقيت فرضيات نظرية الطلقة السحرية أو الحقنة تحت الجلد طوال الفترة التي فسرت فيها أنّ الجمهور مجتمع جماهيري، فجاءت نظرية التدفق على مرحلتين، وأشارت إلى تأثير الاتصال الشخصي والعلاقات الاجتماعية على الاستجابة لمحتوى الإعلام، ولكن هذه النظريات أخذت بالتغير بعد ظهور دراسات وتقنيات حديثة ومناهج جدية في الدراسات النفسية والاجتماعية لنظريات التأثير الإعلامي المباشرة من خلال زيادة الاهتمام بالدراسات التجريبية، حيث عملت هذه البحوث والدراسات على إعادة لنظر في طبيعة العلاقة بين وسائل الإعلام والجمهور، وتم رفض فكرة أن الجمهور لا يوجد بينهم رابط عند مواجهتهم لوسائل الإعلام وينقادون لقادة الرأي، وقد أظهرت هذه الدراسات عدة نظريات في التأثير الانتقائي، مثل نظرية الفروق الفردية، ونظرية الفئات الاجتماعية، التي تندرج من نظريات التأثير الإعلامي، وأتَت بديلًا لنظريات التأثير المباشر.[٣]

نظرية الفروق الفردية

أصبح واضحًا من خلال نظريات الحقنة تحت الجلد أو نظرية تدفق المعلومات على مرحلتين، أن جمهور وسائل الإعلام ليس جماعة متناسقة تتأثر بشكل جماعي بالرسالة الاتصالية، وتتأثر بها بشكلٍ مباشر كالنظريّات السابقة، حيث ظهر مبدأ الانتقائية والذي يرمز إلى أنّ الاعتبارات الفرديّة هي التي تحرك الفرد لاستخدام وسائل الإعلام، وكذلك الظروف الذاتية والسمات الشخصية.[٢]

حيث يرى جون بيتنر أنّ تأثّر الجمهور بوسائل الإعلام الجماهيري يتمّ بحسب عوامل انتقائية، فأشارت العديد من الدراسات إلى أنّ الجمهور يختار ما يعرض عليه من محتوى الرسالة الاتصالية وسميت العملية بالتعرض الانتقائي، وإنّ إدراك الجمهور للرسائل الاتصالية التي يتعرض لها تؤثر بحسب طبيعة ردود أفعال الجمهور وتسمى بعملية الإدراك الانتقائي، وبسببه فإنّ الفرد يتذكر فقط ما يؤكد أفكاره من الرسالة الاتصالية وتتفق معه، وإذا كانت هذه الأفكار تختلف مع طبيعة الشخص وتفكيره قد يُلغيها من عقله ولا يستخدمها نهائيًا.[٢]

نظرية الفئات الاجتماعية

أدّى ظهور المجتمعات الصناعية الحديثة، إلى إحداث تغيرات اجتماعية ساعدت على تعقيد المجتمع، كالحداثة والتحضر والهجرة إلى المدن، وزيادة تقسيم المجتمع إلى طبقات عديدة، وزيادة حركة التنقل بين المجتمعات، وبسبب هذه التغيرات فإنّ المجتمعات الصناعية الحضرية، وتحديدًا في الغرب، أوجدت تراكيب اجتماعية مختلفة، وأصبح الناس فئات اجتماعية متباينة ومتعددة على أساس صفات مشتركة متعينة، واصبح بالإمكان تمييزهم إلى أقسام كبيرة على أساس، الانتماء الديني والأصل العرقي والتوجه السياسي والجنس، والتعليم والمهنة والدخل وغيرها.[٢]

حيث بدأ علماء الاجتماع في القرن العشرين في تطوير عملية الاستقصاء بالعينات واعتمدت كأسلوب منهجيّ رئيس لبحوثهم في نظريات التأثير الإعلامي، وأصبح متوفرًا ومتطور كباقي المفاهيم والنظريات الإحصائية، وأصبحت المقارنات الإحصائية على أساس الفئات الاجتماعية لسلوك البشر.[٢]

نظريات التأثير غير المباشر المعتدل

إنّ نظريات التأثير الإعلامي -سواء المباشر أم الانتقائي- تُعدُّ بلا قيمة في التوصّل الدقيق للتأثير في المدى البعيد لوسائل الإعلام، فهذه النظريّات تركّز على النتائج الحالية التي تقع في الفترة نفسها، وإلى الآن لم يتوصّل لوسائل متقدّمة ومتطورة للتعرف على النتائج غير المباشرة وبعيدة المدى، وإظهار نتائج بناءً على المشاركة لأنظمة مختلفة للاتصال البشري، ويشير هذا أنّه من الصعب تصور أنواع مناهج البحث العلمي التي سنحتاجها في المستقبل لدراسة التأثيرات غير المباشرة وبعيدة المدى والذكيّة في وسائل الاتصال التي تعتمد على في رسائلها على وسائل الإعلام الجماهيرية، ومن نظريات التأثير غير المباشر أو المعتدل التي تعتمد عليها نظريات التأثير الإعلامي في هذا المجال: الاستخدامات والاشباعات، وتحديد الأولويات، والاعتماد، وغيرها.[٤]



نظرية الاستخدامات والإشباعات

تًعدّ نظرية الاستخدامات والإشباعات من نظريات التأثير الإعلامي غير المباشر المهمة جدًا والأكثر استخدامًا، ويُعدّ إلياهو كاتز أول من وضع اللبنة الأولى في مدخل الاستخدامات والإشباعات، في مقال له بكتاب "استخدام وسائل الاتصال الجماهيري" لكاتز وبلوملر عام 1974م، حيث تأخذ هذه النظرية أن المتلقي هو نقطة البدء بدلًا من الرسالة، فتقوم بشرح سلوك المتلقي الاتصالي من خلال تجربته المباشرة مع وسائل الإعلام، فالأفراد يوظّفون الرسائل الإعلامية بدلًا من التصرّف سلبًا نحوها.[٥]


وبصورة عامّة، فإنّ الاستخدامات والإشباعات تحاول إجابة مَن يتساءل عن أسباب اختيار الجمهور لمضمون إعلامي دون الآخر، وتعتبِر نظرية الاستخدامات والإشباعات أنّ الجمهور يستخدم المحتوى الإعلامي لإشباع رغبات معيّنة لديه، مثل: الترفيه أو الحصول على معلومة أو التفاعل الاجتماعي وغيرها.[٥]



لقراءة المزيد حول النظريّة، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: نظرية الاستخدامات والإشباعات.


نظرية ترتيب الأولويات أو الأجندة

نظرية ترتيب الأولويات أو "الأجندة"، يمكن تعريفها على أنّها العملية التي من خلالها تحدد وسائل الإعلام بماذا نفكر وحول ماذا نقلق، حيث أن أول من لاحظ هذه الوظيفة هو "والتر ليبمان" في العشرينيات من القرن الماضي، فيُعد أن وسائل الإعلام هي التي تعمل على خلق الصور في أذهاننا، وردّ فعل الجمهور يكون تجاه تلك الصور الذهنية وليس تجاه الأحداث الفعلية، لذلك فإن الأجندة هدفها إعادة صياغة الأحداث التي تقع في البيئة المحيطة بالجمهور إلى نموذج بسيط قبل أن يتعامل معها، ويعود أصل النظرية لبحوث ليبمان من خلال كتابه بعنوان الرأي العام 1922م.[٢]


حيث يرى: "أنّ وسائل الإعلام تقوم في بناء الصور الذهنية عند الجمهور، وغالبًا تقدم هذه الوسائل معلومات كاذبة في عقول الجماهير، لتعمل من خلالها على تكوين الرأي العام في القضايا التي تهم المجتمع"، وتعتمد هذه النظرية على اختلاف نظريات التأثير الإعلامي غير المباشر من خلال وضع أجندة لترتيب أولويات الجمهور للتأثير عليه.[٢]



نظرية الاعتماد المتبادل

تقوم نظرية الاعتماد المتبادل على التأثيرات المحدودة في المتلقي مثل التأثيرات السلوكية والوجدانية والمعرفية، وهذا التأثير يرتبط بمدى استطاعة الوسيلة الإعلامية في نقل محتواها بشكل جيد وجاذب بالنسبة للجمهور المتلقي، مرتبطًا ببيئة المتلقي، وتقوم هذه النظرية دورة كاملة ما بين المرسل والمستقبِل من خلال التغذية الراجعة، فالوسيلة الإعلامية ترسل المعلومة بطريقة محددة للمتلقي، والمتلقي يتعرض لتلك المعلومة فإما يتأثر بها أو لا، فالتأثر بها يزيد من تأثيرها بين أفراد المجتمع. ومن هنا تأخذ الوسيلة الإعلامية تأثيرها السلوكيّ والوجدانيّ والمعرفيّ لدى المستقبل لتصبح مؤثرةً فيه.[٢]



حيث يعتمد نموذج النظرية على وسائل الإعلام، في أنْ يقوم المتلقي بدايةً باختيار الوسيلة الإعلامية حسب أهدافه، ويعرض للمحتوى اهتمامه، وفي حال تأثر المتلقي فإنّ التأثيرات السلوكية تظهر في الفرد، ومنها في المجتمع، وهذه النظرية احدى نظريات التأثير الإعلامي التي تعتمد على التغذية الراجعة من قبل الجمهور.[٢]



لقراءة المزيد حول النظريّة، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام.

المراجع

  1. محمد البشر (2014)، نظريات التأثير الإعلامي (الطبعة الأولى)، الرياض: العبيكان للنشر، صفحة 101-102. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش حسن مكاوي، ليلى السيد (1998)، الاتصال ونظرياته المعاصرة (الطبعة الأولى)، القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، صفحة 221-224. بتصرّف.
  3. عبدالنبي الطيب (2014)، فلسفة وننظريات الإعلام (الطبعة الأولى)، القاهرة: الدار العالمية للنشر والتوزيع، صفحة 114. بتصرّف.
  4. ملفين ديفلير، ساندرا روكيتش (1992)، نظريات وسائل الإعلام (الطبعة الأولى)، القاهرة: الدار الدولية للنشر والتوزيع، صفحة 283-284. بتصرّف.
  5. ^ أ ب عاطف العبد (1997)، مدخل إلى الاتصال والرأي العام: الأسس النظرية والإسهامات العربية (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار الفكر العربي، صفحة 198. بتصرّف.
6264 مشاهدة
للأعلى للسفل
×