نظرية التقمص الوجداني في علم النفس

كتابة:
نظرية التقمص الوجداني في علم النفس

علاقة التقمص الوجداني بالعلاقات الاجتماعية

تكتسب العلاقة مع الآخرين أهمية قصوى في تشكيل فكر الفرد وسلوكه ومستوى اتّزانه، وتتعدد وجوه هؤلاء الأشخاص لتصل في أقصاها إلى الذات نفسها في تمثلات وجوهها المختلفة. فقد يكون هذا الآخر فرداً من أفراد الأسرة التي يتعامل الإنسان معها يومياً، مثل الزوج والزوجة أو الأبناء والإخوة والأخوات، ثم يتسع هذا الآخر ليشمل المجتمع بأكمله، ممثلاً بالأصدقاء والجيران وزملاء العمل والمعارف.


وبما أنّ علاقتنا بهذا الآخر داخل المجتمع الصغير والكبير أصبحت تمر بأزمات حادة قد تصل حد العداوة والكره، إذا لم يكن هذا الآخر شبيهاً لنا ويحمل نفس أفكارنا وتصوراتنا ومواقفنا، فإن علينا الاستعانة بآلية يشار إليها في أدبيات علم النفس باسم التقمص الوجداني، والتي تهيئ للفرد بأن يضع نفسه مكان الآخر وأن يفكر بتفكيره والتمثّل الوجداني والعاطفي لمشاعر وأحاسيس الآخر، والتي تمكّن الفرد من فهم مواقف الآخر واستيعابها وبالتالي تقديرها واحترامها.[١]


مفهوم التقمص الوجداني

يشير مفهوم التقمّص الوجداني إلى القدرة على فهم مشاعر الآخرين والاندماج معهم بمشاركتهم الفاعلة حزناً أو فرحاً، أي أن يضع الشخص نفسه مكان الآخر. كما يشمل هذا مجموعة واسعة من الحالات العاطفية والقابلية الجادة والفاعلة على مشاركة الأشخاص مشاعرهم وأحاسيسهم وعواطفهم وأفكارهم والفهم المسبق لسلوكياتهم وإدراكها حسياً، والذي يتضمن كلمات مواساة أو كلمات تهنئة حسب الموقف.[٢]


وتشمل تعريفات التقمص الوجداني مجموعة واسعة من الحالات العاطفية بما في ذلك الرغبة بالاعتناء بالأشخاص ومساعدتهم واختبار عواطف وانفعالات مشابهة ومتطابقة لعواطف الآخر أي انعدام التمييز بين تعريف الذات والآخر، ويرى العالم النفسي (هوفمان) أنّ البشر يمتلكون القدرة على التقمص الوجداني، مثل الشفقة والتعاطف.[٢]


أنواع التقمص الوجداني

ينقسم التقمص الوجداني في علم النفس إلى نوعين:[٢]

  • التقمص الوجداني العاطفي: وهو القدرة على الاستجابة بالشعور المناسب لحالة الآخر العقلية، والتي تعتمد على تناقل المشاعر أي التأثّر العاطفي والانفعالي.
  • التقمص الوجداني المعرفي: وهو القدرة على فهم منظور الشخص الآخر وحالته الذهنية كنظرية العقل والتعقّل.


كيفية تطبيق التقمص الوجداني

إنّ التقمّص الوجداني يعتمد أساساً على التعاطف المفرط تجاه شخص بذاته، والذي يتطلب الخروج من الذات والدخول والاندماج في الذات المقابلة أو الأخرى أياً كانت وأن تحلّ مكانها وتشعر بشعورها؛ فالتعاطف بحد ذاته حالة صحيّة إنسانية الهدف منها هو المساعدة والمواساة، ولها دور كبير في رفع القيم المعنوية للشخص المتعاطف معه الذي قد يكون مريضاً أو فقد عزيزاً أو تعرّض إلى نكبة ما أو حالة مؤسفة حزينة.[٣]


أهمية التقمّص الوجداني

يمكن تحديد أهمية تقمص مشاعر الآخرين وعواطفهم، بما يلي:[٤]

  • تحسّن من ممارسة المهارات الشخصية وتطورها، مثل: الصبر وضبط النفس، وكذلك ممارسة مهارة الاستماع بغية التعلّم.
  • تمهّد الطريق لحالة نستطيع من خلالها أن نركّز على الأهداف التي يرمي إليها المتكلم ومشاعره.
  • إن فهم وإدراك أثر المتكلم بمعزل عن أثرك الخاص يمهّد السبيل أمامك لتتقمص حاجة المتكلم ودوافعه ومواقفه واتجاهاته.
  • كما أنّ التقمص الوجداني يعني أن أضع نفسي مكان الآخر المختلف، وأن أتقمص مشاعره ومواقفه؛ حتى أتمكن من التفاعل معه بشكل إيجابي. وبذلك يساعد التقمص الوجداني في حلّ أزمات الاختلاف مع الآخر على مستوى الفرد والمجتمع. فعلى مستوى الأفراد، يسهم التقمص الوجداني، وهو الإحساس بالتواصل مع الآخرين، في إعطائنا القدرة على معايشة أحاسيسهم الداخلية، خصوصا السلبية منها: الغيرة والحسد والشعور بالتهديد وغيرها من الاعتلالات الشخصية والسلوكية.
  • على مستوى المجتمع، فالتقمص الوجداني يسهل تقبلنا، ومن ثم تفهمنا لاعتلالات المجتمع، وتأزمات ثقافته، مثل: الرضوخ للسائد والتقليدي ومحاربة التجديد والوقوف ضد كل ما يشكل اهتزازاً للنسق المتعارف عليه.


مساوئ الإفراط في التقمص الوجداني

لكن لا بد من عدم المبالغة في التعاطف والتقمص الوجداني؛ فالمغالاة والمبالغة قد تنتج أمراضاً نفسية واجتماعية تنعكس سلباً على الشخصية المبالغة والمفرطة بالتعامل، وهذا ينطبق على التقمص الوجداني المفرط الذي يجعل الإنسان يتخلى عن حقه في الحياة ليرتدي قميصًا لا يناسبه ويعيش حالة من البؤس والأسى تجعله عاجزاً عن التخلص منها، وهذا ما يحدث غالبًا مع الشخصية الحساسة أو مفرطة الحساسية أو الشخصية المضطهدة أو المضطربة، والتي سرعان ما تجد شبيهاً لها فتتعاطف معه وبقوة، وتتقمص الدور الذي يصبح عصياً وصعب الانتزاع، والحقيقة أن خير الأمور أوسطها والتطرّف بأي موضوع يأتي بعكسه، لذا يجب أن نتحلى بعاطفة صحّية خالية من الأمراض للتمكّن من الحصول على حياة أفضل.[٥]


المراجع

  1. "التقمص الوجداني والعلاقة مع الآخر"، جريدة عكاظ السعويدة. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت "Simulation Theory", link.springer, Retrieved 7/4/2022. Edited.
  3. "How to Be More Empathetic", webmd, Retrieved 7/4/2022. Edited.
  4. "Simulation theory of empathy", owlapps, Retrieved 7/4/2022. Edited.
  5. "The Limits of Empathy", hbr, Retrieved 7/4/2022. Edited.
5868 مشاهدة
للأعلى للسفل
×