نظرية التواصل عند جاكبسون

كتابة:
نظرية التواصل عند جاكبسون

رومان جاكبسون

رومان جاكبسون عالم لُغويّ روسيّ، كان في البداية من رواد الشكلانية الروسية، ثم أسهم مع مهاجرين آخرين في تأسيس حلقة براغ اللغوية التي نشطت حتّى عام 1939م، حيث غادر إلى الدنمارك وأقام فيها عامين، ثمّ رحل إلى النروج فالسّويد فالولايات المتحدة الأمريكية سنة 1941م وبقي فيها، ودرّس في جامعاتها حتى وفاته سنة 1982م، وقد أثر جاكبسون تأثيرًا كبيرًا في بلورة أفكار كثيرة تتعلق بالبنيوية اللغوية، ولا يمكن إنكار دوره في تأسيس نظرية لغوية مهمة جدًا، وهي ما يُسمى في كتب النقد بنظرية التواصل عند جاكبسون.[١]

نظرية التواصل عند جاكبسون

التواصل يشغل حيزًا كبيرًا من تفكير الباحثين في اللغة، وإن الباحثين في محاولتهم خلق نظريّة تطبيقية لعملية التوصيل كانوا يتّجهون إلى منهج يعتمد على تحليل الرسالة اللّغوية وذلك طبقا للعناصر الدلاليّة والجماليّة للغتها. وكان الأساس اللّغوي لتحليل الرسالة اللغوية موجودًا في نظرية التواصل عند جاكبسون، إذ إنّ نظرية التواصل عند جاكبسون تقوم على مبدأ مهم وهو أنّ كلّ حدث لغوي يتضمّن ستة عناصر أساسية وهي:[٢]

  • الرسالة: هي العنصر الأساس في نظرية التواصل عند جاكبسون، والمقصود بها مضمون ما قاله ونقله المرسِل -أي المتكلم- من معلومات إلى المُرسَل إليه.
  • المُرسِل أو المتكلم: يُعَد أيضًا من العوامل الأساسية في العملية التواصلية؛ إذ إنّه هو الذي ينتج الرسالة، ويبعثها إلى المُرسَل إليه، ومما هو جدير بالذكر أن مصطلح "مُرسِل" لا يُطلق على الأشخاص وحدهم، إنما على الأجهزة أيضًا، فعلى سبيل المثال المذياع يُعَدُّ مرسِلًا؛ فهو يرسل إشارات ذات دلالات لغوية معينة.
  • المُرسَل إليه: هو الطرف الذي يستقبل رسالة المُرسِل، وهو أساس في العملية التواصلية، وإضافة إلى ذلك فهو يقوم بمهمة أخرى تتمثل في فهم الرسالة، وفكِّ رموزها وتأويلها.
  • قناة الاتصال: مما هو معروف أن أي رسالة تحتاج قناة تمر من خلالها، وهذه القناة تمثل صلة الوصل بين المرسِل والمرسَل إليه، ومن مهامها إنشاء الاتصال والحفاظ عليه قائمًا.
  • السنن أو الشيفرة: هي مجموعة العلامات المركبة والمرتبة في قواعد والتي يستعين بها المرسِل في تكوين رسالة، ولا يمكن للمرسَل إليه أن يفهم هذه المجموعة من العلامات إلا إذا كان لديه المعجم اللساني نفسه الموجود لدى مُرسِل الرسالة (المتكلم)، وهذا يعني أن السنن أو الشيفرة هي أمر مشترك بين المرسِل والمرسَل إليه.
  • السياق: لا بد لكل رسالة من سياق معين نُظمت فيه، ولا يمكن فهم مكوناتها، أو تحليل رموزها وسَننها إلا بالرجوع إلى السياق الذي قيلت فيه وذلك لفهم الملابسات والأجواء التي أدت إلى تأليف الرسالة على هذه الطريقة أو تلك.

وعلى الدارس أن يعلم أن هذه العناصر في نظرية التواصل عند جاكبسون تعمل متماسكة متآلفة، ويكون الاتّصال بين الناس من خلال نظام العلامات الذي يُتّفَق عليه بين أفراد البيئة اللّغوية المحدّدة.

وظائف عناصر التواصل

إن عناصر الاتصال الستة التي سبق توضيحها وتفصيلها في نظرية التواصل عند جاكبسون هي تمهيد وتوطئة وضعها جاكبسون ليصل منها إلى ما هو بيت القصيد في نظرية الاتصال، أي إلى الوظائف التي تنتج عن هذه العناصر الستة في العملية التواصلية، فاللغة من خلال العناصر الستة تحقق وظائف ستة، وهي:[٣]

  • الوظيفة التعبيريَّة Expressive أو الانفعالية: عندما يكون تركيز الرسالة منصبًّا على المرسِل، فإن الوظيفة التي تنتج هي الوظيفة التعبيريَّة، وأكثر ما تكون هذه الوظيفة في الرسالة المملوءة بشحنات انفعالية وعاطفية للمتكلم؛ إذ إنّه يُعبِّر عن انطباعه وانفعاله نحو شيء ما، ويكثر في هذه الوظيفة استعمال الضمائر الشخصية أي ضمائر المتكلم مثل "أنا".
  • الوظيفة الشعريَّة poetique: تتعلق هذه الوظيفة بالرسالة نفسها، والمقصود هنا هو الرسالة باعتبارها حاملةً للمعنى؛ إذ إن كل رسالة لفظية لا بدّ أن تشتمل على هذه الوظيفة، لكن بدرجات مختلفة، وتكون هيمنتها على الشعر أكثر.
  • الوظيفة الانتباهيَّة Attention: تتصل هذه الوظيفة بقناة الاتصال، وهدفها هو تأكيد الاتصال والحفاظ عليه، وأحيانًا يكون الهدف إيقاف الاتصال، وتحقيقًا لهذا الهدف تستعمل تعابير وأساليب متداولة في الحياة اليومية ومشتركة بين أفراد المجتمع.
  • الوظيفة الإفهاميَّة Conative: ترتبط هذه الوظيفة بالمرسَل إليه "المتلقِّي"، وتكثر فيها ضمائر المخاطب، ومن أفضل الأمثلة على هذه الوظيفة القصائد والكتابات التي تعالج موضوعات كالثورة والانتفاضة؛ إذ إن هذا النوع من الأدب يقوم على مخاطبة الآخر، ويحاول التأثير فيه، وإقناعه وإثارته، ومن الملاحظ كثرة أساليب الأمر والنداء في هذه الوظيفة.
  • الوظيفة المرجعية référence: هذه الوظيفة قاعدة كلِّ اتصال؛ إذ إنّها تحدد العلائق القائمة بين الرسالة وبين السياق أي الموضوع الذي ترجع إليه، وقد سَمّاها جاكبسون بالمرجعية الوظيفية والمعرفية، وغاية هذه الوظيفة تكمن في صياغة معلومة صحيحة عن المرجع، وينبغي أن تكون موضوعيَّة، إضافة إلى ذلك يمكن ملاحظتها والتأكد من صحتها، وتغلب على هذه الوظيفة ضمائر الغائب.
  • وظيفة ما وراء اللغة metalinguistique: ويُطلق عليها أيضًا اللغة الواصفة، وهي وظيفة ترتبط بالسنن، وهذه الوظيفة مختلفة عن باقي الوظائف الأخرى؛ إذ إنها تملك كفاية تفسيرية قادرة على وصف اللغة نفسها، وعلى هذا فهي وظيفة ميتا لسانية أيْ: وظيفة شرح وتوضيح.

المراجع

  1. صلاح فضل (2007)، في النقد الأدبي (الطبعة الأولى)، دمشق: اتحاد الكتاب العرب، صفحة 48. بتصرّف.
  2. " معنى النص "، almerja.com، اطّلع عليه بتاريخ 07-07-2019. بتصرّف.
  3. "من نظريات لسانيات براغ: وظائف اللغة والتلفظ المزدوج"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-07-2019. بتصرّف.
3440 مشاهدة
للأعلى للسفل
×