نشأة النظرية
أخذت نظرية الحرية في الإعلام مرجعيّتها من الأسس الفلسفية الليبرالية، التي كان من مُنظّريها: جون لوك، وجان جاك روسو، وجون ستيواريت ميل، ومن تبعهم من مفكّرين وفلاسفة غربيين، حيث توسّعوا في فلسفة هؤلاء الثلاثة لليبرالية، حيث بدأ موضوع الحرية يأخذ مجراه في المجتمع بأسلوب تنظيمي فلسفي، عقب الثورة الصناعية في أوروبا، كاتجاه مجتمعي للابتعاد عن الدين وتسلط الكنيسة، حتى توسعت في مجالات السياسة والأدب والفكر، فدخل مفهوم الحرية جميع العلوم ولم ينجو الإعلام من فلسفتها، حتى ظهرت نظرية الحرية في الإعلام وذلك بديلًا عن نظرية السلطة، وبدأت هذه النظرية كقاعدة لسوق الأفكار الحرة، أي أنّ تعرض وسائل الإعلام الأفكار في سوق حر، وتركها تتصارع، والجمهور يقرر ويختار ما يشاء منها.[١]
نظرية الحرية في الإعلام
تطوّرت نظرية الحرية في الإعلام أو النظرية الليبرالية، بعد أن ساد مبدأ الحرية بعد الثورة الصناعية في أوروبّا وتحديدًا الثورة الفرنسية، حيث تستند هذه النظرية في أساسها على وجوب توفير كافة الحقائق والمعلومات للمواطنين من أجل المساهمة في العمل الوطني، وذلك إبداء الآراء واتخاذ القرارات من خلال المعلومات الصحيحة، وأهم ما تطرحه النظرية أن لا تكون الصحافة مُلك الدولة حتى تتمكن من أداء دورها في التوعية والتبصير، وأن تصدر الصحافة من قبل أشخاص يحسون بالمسؤولية ويعملون على تنوير مواطنيهم وكذلك تبصير قادتهم بأخطائهم، وساهم على ازدهار فلسفة هذه النظرية عوامل، مثل: ظهور الطبقة الوسطى كقوة فاعلة، واتساع التبادل التجاري، وتقدم العلم وظهور اختراعات جديدة، وقيام الثورة الفكرية الداعية للعقلانية، وازدياد التنقل ما سهل تبادل المعلومات وازدهار الصحافة.[٢]
حقّقت النظرية الليبراليّة "نظرية الحرية" انتصارها الأول على النظرية السلطويّة، بعد إعلان البرلمان البريطاني حظر أيّة رقابة مسبقة على النشر في القرن الثامن عشر، كما منح عدم الحصول على ترخيص من السلطة لإصدار الصحف، وكان لأفكار المفكر الإنجليزي بلاكستون الأثر الأكبر لهذه القرارات، الذي نادى بحرية الصحافة من أجل وجود دولة حرة، ما يعني عدم وجود رقابة مسبقة على النشر، مع إمكانية تعرُّض الصحفيّ للعقاب بعد عملية النشر إذا تضمن النشر جريمة، فالإنسان له حرية أن ينشر ما يشاء على الجمهور، وإذا مُنع ذلك يعد تدميرا لحرية الصحافة، أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد حظر الدستور الأمريكي تدخل الدولة بشكل كامل في مجال حرية الصحافة، حيث نصّت المادة أنه يحظر على الكونغرس الأمريكي أن يصدر أي قانون يقيد حرية الصحافة والتعبير.[٢]
إنّ ظهور نظرية الحرية في الإعلام كان نتاج ثلاثة عوامل رئيسة أسهمت في نشأتها، وهي:[٢]
- العامل السياسي: وهو العامل الذي جعل موضوع حرية الصحافة مشكلة وقضية سياسية بالدرجة الأولى؛ وذلك لارتباط وسيلة الإعلام المتمثلة بالصحافة حينها بالتعبير عن الرأي العام، وهذا يتناقض مع سياسة الحكام في أغلب الأحيان.
- العامل الفلسفي: كانت الفلسفة عاملًا مهمًّا لظهور نظرية حرية الإعلام، حيث وجدت الحرية ملجأها في أحضان الفلسفة لنضوج نشاطها، فالحكام الأوروبيّون كانوا يخافون من حرية الطبع والنشر بدايات العصر الحديث، حيث كان الكتاب والفلاسفة أكثر الناس استخدامًا لفوائد الطباعة والنشر، لهذا ترسّخت مطالباتهم بحرية الطبع والنشر، وضد اجراءات الحكام من حرية التعبير، حيث ألفوا كتبًا ومقالات وطبعت ونشرت بشكل سري لهذه المطالب، وجه الفيلسوف الانجليزي ميرتون عام 1644م نداء يطالب بحرية التعبير، كان له أثر كبير في المجتمع الإنجليزي.
- العامل الاقتصادي: لعب العامل الاقتصادي دورًا كبيرًا لتحقيق نظرية الحرية في الإعلام، إذ ساهمت النهضة الاقتصادية لإنجلترا في القرن الثامن عشر لنهوض الحرية في المجتمع، وطالب بذلك الفلاسفة، وكانت النهضة الاقتصادية التي انطلقت على يد ريكاردو، الذي قال إنّ حرية العمل هي شرط أساسيّ لعملية ازدهار النشاط الاقتصادي في المجتمع، فحرية العمل مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحرية التعبير خصوصًا حرية الصحافة.
مبادئ وأسس نظرية الحرية
لقد أسهمت مبادئ وأسس نظرية الحرية في الإعلام في تحرير الصحافة من سيطرة الدولة، حيث تم تحريرها من القيود المفروضة عليها من قبل السلطة، فكانت دول شمال أوروبّا وأمريكا في القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين تتمتع بقدر كبير من التنوع والتعددية في مجال الصحافة، فعملت بذلك على إدارة مناقشات حرة بين الاتجاهات السياسيّة كافّة في المجتمعات، وانتقلت المناقشات إلي الجماهير ما أسهم في تقدم هذه المجتمعات وزيادة حيويتها، وكان المفكر السويدي دينيس ماكويل حدد العناصر الرئيسية لمبادئ نظرية الحرية في الإعلام، كما يأتي:[٣]
- يجب تحرير النشر من أية رقابة مسبقة عليه.
- فتح مجال النشر والتوزيع لأيّ جماعة أو شخص من دون الحصول علي رخصة من الحكومة.
- النقد الموجه لأيّة حكومة أو مسؤول رسمي أو حزب سياسيّ يجب ألّا يكون محلًا للعقاب حتى بعد النشر.
- ألّا يكون هناك أيّ نوع من الإلزام أو الإكراه بالنسبة للصحفي.
- عدم فرض أي قيود علي جميع المعلومات وأن يتم نشرها بالوسائل القانونية.
- يجب أن يتمتّع الصحفيون حتى داخل مؤسساتهم الصحفية بالاستقلال المهني.
- أهداف الإعلام من خلال هذه النظرية الترفيه والإخبار والمشاركة في اكتشاف الحقيقة والترويج لبيع السلع ومراقبة أنشطة الحكومة.
- تحريم جميع أنواع التشهير والإخلال بالقيم الأخلاقية السائدة، والأنشطة التخريبيّة في زمن الحرب.
المراجع
- ↑ محمد البشر (2014)، نظريات التأثير الإعلامي (الطبعة الأولى)، الرياض: العبيكان للنشر، صفحة 17-19. بتصرّف.
- ^ أ ب ت عبدالنبي الطيب (2014)، فلسفة ونظريات الإعلام (الطبعة الأولى)، القاهرة: الدار العالمية للنشر والتوزيع، صفحة 30-34. بتصرّف.
- ↑ عصام الموسى (1968)، المدخل في الاتصال الجماهيري (الطبعة الأولى)، اربد: مكتبة الكتاني، صفحة 82. بتصرّف.