نظرية المسؤولية الاجتماعية في الإعلام

كتابة:
نظرية المسؤولية الاجتماعية في الإعلام

نشأة النظرية

بعد ظهور نظرية الحرية في المجتمعات الغربية في القرن الثامن عشر، واشتداد عودها في بدايات القرن التاسع عشر، ظهر في النصف الأخير من القرن التاسع عشر نظرية المسؤولية الاجتماعية في الإعلام، حيث دعا أنصارها إلى إعادة صياغة الأسس والمبادئ التي قامت عليها نظرية الحرية؛ وذلك لمواكبة المتغيرات التقنية والاجتماعية للمحافظة على ما تبقى من قيم وأعراف في المجتمع الغربي، لكن الدراسات الغربية التي يعدّها المتخصصون في حقل الإعلام تبين من نتائجها فرقًا كبيرًا بين الأسس الفكرية للنظرية والمنطلقات الاجتماعية التي نشأت عليها النظرية، أي ما بين أدبيات النظرية وفهم القائمين بالوسائل الإعلامية والمشتغلين بها، فلا شك أنّ النظريات الإعلامية نشأت وتبلورت تحت تأثير التيارات الاجتماعية والسياسية أفرزتها الظروف التاريخية.[١]

نظرية المسؤولية الاجتماعية في الإعلام

عندما بدأ الإخلال بمعايير الصحافة الليبرالية أو الحرة، والتي أسّست على الاهتمام بالخدمة العامة وحقّ الجمهور في المعرفة، ومقاومة الضغوط الخارجية، والتعددية في الأخبار، وسيادة معايير الدقة والموضوعية، بدأت المراجعات النقدية للنظرية الليبرالية في الصحافة، في بداية القرن العشرين، وبلغت ذروتها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث تشكّلت لجنة تعنى بحرية الصحافة تكونت من اثنَيْ عشر أكاديميًّا، برئاسة البروفيسور روبرت هوتشر، ومن بينهم أبرز نقاد الصحافة الأمريكية، ثيودور بترسون ووليم ريفرز، وقد أجروا دراسة على الدراسة الأمريكية بتمويل دائرة المعارف البريطانية ومجلة تايم، وأعدّوا تقريرًا كاملًا عامَ 1947م بعنوان بعنوان "صحافة حرّة مسؤولة"، ودراسة لوليم هوكينج أحد أعضاء اللجنة بعنوان "حريّة الصحافة: إطار المبادئ"، وهذه هي الدراسات التي صاغت نظرية المسؤولية الاجتماعية في الإعلام.[٢]

ظهرت نظرية المسؤولية الاجتماعية في الإعلام بعدما أخذ النقاد يراجعون دراسة الافتراضيات التي ترتكز عليها نظرية الحرية أو الليبرالية حول طبيعة الحقيقة والمجتمع والإنسان، فعندما أعلنت فئة العلوم السياسية المعاصرة هجومًا على التقاليد الطبيعية للقانون، مؤكّدين أنّ الحقوق الطبيعية ليست إلا مجرد شعارات دعائية لأيديولوجية عفى عليها الزمان، فعندما روج جون لوك للفلسفات الحديثة عن الإنسان، التي تصف الإنسان الفاقد لرشده بأنه كائنًا ضعيفًا تارة، ومرة المجتمع أقوى منه، عندها تزعزعت فكرة الإنسان العقلاني الباحث عن المعلومة ووجهات النظر المختلة، وينتج وجهة نظر صحيحة، وهذا على حساب اتساع دائرة الآراء والمعلومات في ظل زيادة الثورة التكنولوجية، الذي صعب على الإنسان ما تصوره فلاسفة القرن الثامن عشر.[٣]

كما أن علماء الفيزياء الحديثة تحدّثوا عن أنّ تصور نيوتن للكون كنظام ثابت لا يتغير، لكن مطلع القرن العشرين شهد ثورتي: النسبية لألبرت آينشتين عام 1905، ونظرية الكوانتم التي طرحها ماكس بلانك عام 1900، حيث قلبتا مسلمات علوم الفيزياء الكلاسيكية مثل: اطراد الطبيعة وثبوت قوانينها، والحتمية، والموضوعية المطلقة، كذلك أسهم فرويد بنظرية اللاشعور في المُناخ الفكري وتطوره، وداروين بنظرية التطور في القرن العشرين، فتم حصر علم النفس الحديث والمدرسة السلوكية بنموذجها العقلاني، حيث أثبت فرويد للتحليل النفسي بأن العقل جبل من الجليد، حيث أن الجزء الصغير العائم منه على سطح البحر هو منطقة الشعور، بينما الجزء الأكبر المغمور يُعدّ منطقة اللاشعور، وفي هذه المنطقة الفسيحة توجد الأفكار والمشاعر المكبوتة، والدوافع الغريزية.[٣]

مبادئ النظرية

أتت نظرية المسؤولية الاجتماعية في الإعلام، لتعملَ على تعزيز مفهوم الحرية في وسائل الإعلام، حيث حَملت معها فكرة الحرية المسؤولية وليس الحرية المطلقة، ولذلك فإنّ مبادئ نظرية المسؤولية الاجتماعية في الإعلام حاولت أنّ تحرر الصحافة بدايةً ثم تقوم بتحرير وسائل الإعلام بشكل كامل، من المتسلطين من بعض فئات المجتمع عليها، وأن تعمل على الموضوعية في الرسالة الإعلامية، وأيضًا أنّ تحافظ على القيم في المجتمع وتعمل على نقل هذه القيم من جيل لآخر، مع أن تبقى هذه الوسائل الإعلامية بعيدة عن سلطة الحكومة، ومن المبادئ التي وضعت لنظرية المسؤولية الاجتماعية في الإعلام، ما يأتي:[٤]

  • ليس للحكومة سلطان على الصحف ووسائل الإعلام بشكل عامّ، وتحديدًا تلك التي يملكها أفراد أو مؤسسات أهلية أو خاصة؛ لأنها تقوم بالتعبير عن وجهات متعددة ومتنوعة، فلا رقابة عليها من الحكومة، ويقيدها الضمير الإعلامي والسياسة التي ترسمها المؤسسة لتحكم به عملها.
  • الجمهور له الحرية في اختيار الوسيلة أو الرسالة الإعلامية التي تلبي رغبته وتناسب ميوله، كما أن له الحرية في التعبير عن آرائه حتى وإنّ خالفت رأي السلطات العليا.
  • أن يزود الإعلام الجمهور بالمعلومات بشرط أن يلتزم بصحة هذه المعلومات وصدقها، وأن يمثل وجهات النظر المختلفة بعدالة.
  • إعطاء الجمهور الفرصة الكاملة للاطلاع على المعلومات اللازمة كافّة.
  • نشر قيم المجتمع وأهدافه وتوضيحها، باعتبار أنّ الإعلام أداة تعليمية فهي تعدّ وسيلة من وسائل التنشئة الاجتماعية، مع الطرح بموضوعية لا يشوبها التزييف.

المراجع

  1. محمد البشر (2014)، نظريات التأثير الإعلامي (الطبعة الأولى)، الرياض: العبيكان للنشر، صفحة 29-30. بتصرّف.
  2. عبدالباسط عبدالمعطي (1990)، البحث الاجتماعي محاولة نحو رؤية نقدية لمنهجه وأبعاده (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار المعرفة الجامعية، صفحة 50. بتصرّف.
  3. ^ أ ب محمد حسام الدين (2003)، المسئولية الاجتماعية للصحافة (الطبعة الأولى)، القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، صفحة 54. بتصرّف.
  4. عصام الموسى (1986)، المدخل في الاتصال الجماهيري (الطبعة الأولى)، اربد: مكتبة الكتاني، صفحة 83. بتصرّف.
11828 مشاهدة
للأعلى للسفل
×