نظرية موت المؤلف

كتابة:
نظرية موت المؤلف

رولان بارت

اسم رولان بارت من الأسماء الكبيرة التي اقترنت أشد الاقتران بمناهج النقد الأدبي الحديث، فلا تكاد تُذكر البنيوية في النقد الأدبي إلا ويسبقها اسم رولان بارت، وهو فيلسوف وناقد فرنسي الأصل ومشهور أنه ناقد أدبي دلالي ومنظر اجتماعي، له اهتمامات عدة في عالم الفكر، فقد حصل على شهادة الدراسات الكلاسيكية من جامعة السوربون، وتابع دراسات أخرى في مصر وبوخارست، وأصبح أستاذًا للسيميولوجيا في كوليج دي فرانس، وإن سعة اطلاعه على حقول فكرية مختلفة في مجالات النقد الأدبي جعل أعماله تساهم في تطور مناهج نقدية مثل البنيوية وعلم الدلالة، وغطت أعماله مناهج البنيوية وما بعد البنيوية، ولقد كان معاصرًا لفلاسفة ونقاد كبار مثل جاك دريدا، ومن أشهر المصطلحات النقدية التي كتب عنها رولان بارت هو مصطلح موت المؤلف، وهذا المصطلح اتسع في الأبحاث والدراسات حتى صار نظرية نقدية، وثمة نقاد أيدوا هذه النظرية، ومنهم من عارضها ورفضها، وتفاصيل هذه النظرية في ما يأتي من المقال.[١]

نظرية موت المؤلف

هل مرّت نظرية موت المؤلف في العديد من المراحل؟

فقد ظهرت البنيوية كثورة هائلة ضخمة في عالم النقد الأدبي، وقد كانت واحدة من ثمار علم اللغة الدلالي الذي وضعه فرديناند دي سوسير، ومما زاد من الهالة الكبيرة حول البنيوية هو ما اتفق عليه البنيويون من النظر إلى النص على أنه كيان لغوي قائم بذاته، ولا علاقة له بالمؤلف، ولا بالظروف والأوضاع التي سببت تأليفه أو كتابته، وإنما تعاملوا مع النص من الداخل، مخالفين بذلك كثيرًا من المناهج النقدية التي تعدّ المؤلف أساسيًا في دراسة أي عمل أدبي مثل المنهج الاجتماعي والتاريخي والنفسي، وبذلك تعامل البنيويون مع النص بدراسة علاقة الكلمات ومحاولة فك الشفرات للوصول إلى البنية الداخلية للنص بعيدًا عن المؤلف.[٢]

أيد رولان بارت فكرة موت المؤلف إلى حد كبير في مقالته التي كتبها عن هذه النظرية؛ إذ إنه كان يرى أن النص الأادبي أشبه ما يكون بنسيج قماشي اجتمعت فيه اقتباسات لا تعد ولا تحصى من مصادر ثقافية مختلفة ومتعددة، وأن النص الأدبي ليس تجربة أدبية واحدة بقدر ما هو اجتماع المعلومات والأفكار من عدة مصادر للثقافة، ومما أكد عليه رولان بارت في رأيه عن نظرية موت المؤلف هو أن القراءة الصحيحة للعمل الأدبي تعتمد بالدرجة الأولى على انطباعات القارئ لا على شغف الكاتب وميوله، وكان رولان بارت ينظر إلى المؤلف أنه سيناريو، وقراءة النص قراءة نقدية لا ترتبط به بأي شكل من الأشكال.[٣]

ومما لا يمكن إنكاره أن طرح نظرية موت المؤلف كان له دور كبير في إلغاء الإنسان الكاتب، وإعطاء اللغة الدور الأكبر في تحديد مدلولات النص، والعلاقات التي تربط جمله بعضها ببعض، فقد صار النص في ظل البنيوية هو الأساس، ومن ثم يأتي دور القارئ في كشف المعنى وتحديد الدلالة، ولقد ازداد الإصرار على فكرة موت المؤلف في منهج ما بعد البنيوية؛ إذ احتلت اللغة ودلالتها المكانة الواسعة، ولم يعد هناك متسع للذات البشرية وإسهاماتها في إنتاج النص الأدبي، ومما يجدر ذكره أن موت المؤلف في ما بعد البنيوية كان يعني بالمقابل ولادة القارئ الذي يعد مكونًا مهمًا من مكونات العمل الأدبي ودراسته، بخلاف البنيوية التي جعلت العمل الأدبي لا يحتاج أي عنصر خارجي يسهم في تكوينه ودراسته وكشف دلالاته ومكنوناته.[٤]

نقد نظرية موت المؤلف

هل وُجهت انتقادات لنظرية موت المؤلف؟

إن كل اتجاه نقدي أو منهج نقدي سواء في العصر الحاضر أو الماضي لا بد أن يكون له المدافعون عنه، والمعارضون له، ولقد لاقت نظرية موت المؤلف -لا سيما وفق طرح البنيوية- معارضة من بعض النقاد والمهتمين بدراسة النصوص الأدبية، فقد رفض عبد السلام المسدي فكرة البنيوية القائمة على إلغاء أي مؤثر خارجي في النص، ورأى أنها بهذه الفكرة قطعت جذور النص وأصوله، وجعلته ساكنًا غير متطور، وهذا يعني أن البنيوية لا تؤمن بفكرة تطور الأشكال الأدبية والفنية، وهذا خلاف ما يراه عبد السلام المسدي من علاقة تربط بين النص من جهة ومؤلف النص والظروف المحيطة به من جهة أخرى، إضافة إلى كون البنيوية نظرت إلى كل النصوص بشكل واحد وأنها كلها يمكن إرجاعها إلى البنية أو اللغة وذلك ليتمكن القارئ أن يبلغ أعلى ذروة من الموضوعية في قراءته للنص الأدبي.[٥]

وإن المُطلع على كتاب ثقافة الأسئلة للناقد عبد الله الغذامي يلاحظ كثرة الحديث عن مقولة موت المؤلف، ويظن أن الغذامي قد كان مقتنعًا كل الاقتناع بهذه النظرية وموافقًا عليها وعلى مضمونها، إلا أنه بقليل من التدقيق يتبين أن الغذامي كان يحاول التقليل من تكثيف هذه النظرية، واستبعاد دراسة النص بعيدًا عن مؤلفه، ومبدع صفحاته، لفقد كان يبين أنه من غير الممكن قراءة عمل أدبي في كتاب عليه اسم المؤلف وتاريخ ميلاد المؤلف وتاريخ وفاة المؤلف دون النظر إلى دور المؤلف في إنتاج النص الأدبي.[٦]

وقد عبر الغذامي عن رأيه بأن مصطلح موت المؤلف بنظره ليس إلا أن المؤلف قد مات فعلًا ودُوّن تاريخ وفاته على كتابه، أو أنه يتخفى عن أعين الناظرين خيفة الحسد والسحر، أو أن كاتبًا آخر قد سطا على أعمال المؤلف وأخذ مكانه، وبذلك يكون الغذامي -كما عُرف عنه- مدافعًا عن التأصيل ورافضًا التبعية للغرب بمصطلحات دون التعمق في معانيها وما تؤول إليه، ويبين أن استعمال هذه المصطلحات النقدية الغربية مع نصوص أدبية غربية أمر ممكن، في حين أن تطبيقها على النصوص العربية سيكون فيه الكثير من الشك والريبة وقد يصيب بعض الدارسين بحالة من الفصام ما بين فهم النص والابتعاد عن كاتبه والظروف المحيطة به عندما أبدع هذا النص.[٦]

المراجع

  1. "رولان بارت"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-19. بتصرّف.
  2. "موت المؤلف وخلود الاثر"، www.ahewar.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-19. بتصرّف.
  3. "موت المؤلف"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-19. بتصرّف.
  4. عبدالله خضر حمد، مناهج النقد الادبي: السياقية و النسقية، صفحة 161. بتصرّف.
  5. عبد الله خضر حمد، مناهج النقد الأدبي الحديث، صفحة 142-143. بتصرّف.
  6. ^ أ ب المؤتمر الدولي، المؤتمر الدولي الأول لمركز البحوث والاستشارات الاجتماعية لندن حول، صفحة 274. بتصرّف.
3440 مشاهدة
للأعلى للسفل
×