نموذج نص قصصي

كتابة:
نموذج نص قصصي

نموذج نص قصصي

إنَّ القصص دائمًا ما تكون هاجس الإنسان، إذ إنّه يترجم نفسه عن طريقها، إما بقصة أو نموذج نص قصصي وربما تكون تلك التَّرجمة سطحية لا يرمي من ورائها سوى عدّ كلماتٍ وتكديس أوراق، أو ربما غاصت إلى أعماقه فاستخرجت ما فيها من المشاعر والأفكار والأحاسيس لتضيف إلى ذاكرة اللغة شيئًا لن تمحوه الأيام على تعاقبها، إن القصَّة هي حياةٌ مكتوبةٌ على ورق حقيقيَّة كانت أم خياليَّة إلا أنَّها مرَّت على بعضهم في أحد الأيام ، لهذا سيتحدث هذا المقال عن نموذج نص قصصي.

في يومٍ من الذاكرة حدثت هذه القصة في حيٍّ من أحياء أمريكا حيث الجوع والفقر وانتشار الرأسمالية وسيطرة الاضطهاد، كان ماثيو شابًّا في مقتبل العمر مابين الخامسة والسادسة عشر إذ لا فرق بين الأيَّام فجميعها تشكِّلُ له كابوسًا يحاول جاهدًا الخلاص منه، هو ابنٌ لعائلةٍ صغيرةٍ تتكون من أخٍ واحدٍ يكبره بثلاث سنوات وأختٍ صغرى تبلغ العشرة أعوام، تميَّز بشعره البنيِّ المائل إلى الشقرة بعض الشيء وملامحه التي يعلوها كثيرٌ من التَّجهُّم والاستياء، اعتاد العمل في معملٍ لتصنيع الحديد فهو واحدٌ من الآلاف الذين يصبون لعناتهم كلَّ يوم على الرأسمايين الذين يتحكمون بحياة الآلاف من الأبرياء.

كان دخوله إلى المعمل أشبه بدخوله إلى جهنَّم فلكليهما له السطوة نفسها من التعذيب، وهو مضطرٌ إلى الخضوع فقد كان حظُّه من الدنيا أن يولد لعائلةٍ فقيرةٍ لم تعرف من لذة الحياة سوى بعض الضحكات المتفرقات التي تهديها لها الأيام، اعتادت والدته العمل كخادمةٍ للأثرياء فهي لا تصلح في نظرهم إلا لهذه الوظيفة، وطالما كانت تتعرَّض إلى العديد من الإهانات وتصمت كي لا تزيد عناء ذلك البيت الصغير، وكانت ترافقها في ذهابها إليهم الأخت الصَّغيرة لماثيو وكانت تدعى إيمي، وفي أحد الأيّام وأثناء عمل الأم في أحد بيوت الرأسماليين سمعت إيمي حديث صاحب البيت مع أحد ضيوفه قائلًا له: يوم الأحد سيتم قتلهم جميعًا، وأطلقوا بعضًا من الضحكات الهستيريَّة، خافت إيمي وهربت ملتصقةً بثوب أمها وقد تكوَّرت عيناها، حتى عادت إلى المنزل وهي منشغلة الفكر حائرة العقل.

وجلست في المساء وما زالت العبارة تترد في أذنيها: "الأحد سيتم قتلهم جميعًا"، هبَّت راكضةً إلى ماثيو وقالت له: أرجوك أنقذهم، فقال من هم: واحتضنته وهي تبكي وتقول: دعنا ننقذهم..أخي أرجوك..دعنا ننقذهم، وحدَّثته بذلك الخبر، خرج ماثيو من المنزل وهو يتطلع إلى السماء، قتل من يا ترى؟ اليوم هو الأربعاء بقي ثلاثة أيَّامٍ دون هذه اليوم، لكنَّه أصرَّ على معرفة الخبر، وذهب إلى بيت ذلك الرَّجل وبدأ يراقبه علَّه يصلُ إلى خيطٍ من الجريمة، وفي الصباح تبعه إلى حيث يذهب كلَّ يوم، لكنَّه وعند الساعة السادسة مساءً أخذ طريقًا آخر بعيدًا عن منزلة فتبعه وقد كان ذلك الرجل يتفقد ما حوله كل بضع دقائق، فإذا به يدخل إلى مستودعٍ مهجورٍ ويتكلم مع أحدهم في بهوه ثم يخرج سريعًا.

نظر ماثيو في أحد ثقوبه ليجد عائلاتٍ مكتَّفةٍ مكممة الأفواه، فعرف أنهم المقصودون بالقتل، وبات عند المستودع متخفيًّا يفكر فيما سيفعله، وخطرت في باله فكرةٌ وبدأ بتنفيذها، وتحرَّك يجمع المعلومات عن الصفقات الإجرامية له، ورصد تحركاته حتى جاء اليوم الموعود عندما دخل عليه في أحد الأماكن التي اعتاد زيارتها وكان وحده، فقال له: سيدي لديَّ ما أقوله لك، نظر إليه ذلك الرجل وقد علته نظرات الاشمئزاز وقال له: أنت؟ فقال: نعم، فقال له: قل ما لديك بسرعة فأنا لا أحتمل وجودك في ذات المكان معي، بدأ ماثيو الحديث قائلًا: من أين تريد أن أبدأ لك من المتاجرة بالنَّاس كعبيد بين الأساطيل أم من قتلهم أم من حبسهم في ذلك المستودع الذي ترتاده كلَّ يوم.

لم يكن يتوقع الرجل ذلك من ماثيو فهو على اعتقادٍ بغبائهم جميعًا فأخذ سكينه يريد طعن ماثيو فما كان من الأخير إلا أن أطلق رصاصةً عليه من المسدس الذي كان إلى جانبه على الطاولة، وبلحظةٍ ما تحول ذلك الشاب من ساعيٍ إلى الحقيقةِ إلى قاتلٍ فهل هكذا تكون الجريمة، أتراه قتله أم قتل الظلم والحقد والجور، أيولد الإنسان قاتلًا أم أنَّه يقتل نتيجةً للظروف وغياب العدل، وهل في هذه الحال يعتبر قاتلًا أم مخلصًا للأبرياء كانت هذه الأسئلة تدور في ذهن ماثيو جميعها، والشرطة قد أحاطته من كل مكان، فسلَّم لها جميع أوراقه وجرائمه وتأكدوا من صحة كلامه فكان صادقًا.

وتخلَّصت القرية من ظالمٍ لها، وحكمت المحكمة بالإفراج عن ماثيو لأن قضيَّته كانت دفاعًا عن النفس، لكن أتراه بقي بريئًا أم أنَّ للدماء سخطها على حياته، أم أنها كانت دماءٌ تغسل عار أجداده الذين رضوا بهذه الحال ولم يثوروا عليها، كانت هذه الأسئلة تراود ماثيو في فترةٍ من فترات حياته لعيش بعدها مطمئن البال؛ لأنه خلص العالم من علقةٍ تمتص حياة الأبرياء.

إن نموذج النص القصصي يحتاج إلى مراعاة لشروط القصة ومعاييرها جميعًا فهذه الكلمات لم تكن فقط نموذج نص قصصي بل كانت تعبير عن واقع يعيشه الناس في مختلف العصور، وكما ذكر في المقدمة وكما يحتاج الإنسان إلى أن يعبر عن نفسه دائمًا في قصة أو نموذج نص قصصي لكي يترك في ذاكرة الورق ما قد ينساه النَّاس ويخط على جدران الحياة ما يخفيه التاريخ دائمًا، فخُطَّت هذه الحروف وكتبت بحبر دماء الأبرياء التي تسفك كل يوم لهذا السبب أو ما شابهه في نموذج نص قصصي.

6893 مشاهدة
للأعلى للسفل
×