محتويات
تعريف حول نونية ابن زيدون
وُلد أحمد بن عبدالله بن زيدون في قرطبة سنة 394هـ/1003م، في بيت من بيوت فقهائها وأعيانها، وهو من بيت حسب ونسب، وأبوه كان ثريًّا صاحب أموالٍ وضياع، بعد خروج ابن زيدون من السجن وقبل العفو عنه نظم قصيدته هذه، والتي يُظهر فيها حبه لولادة بنت المستكفي التي عبر فيها عن حنينه وشوقه لرؤية محبوبته.[١]
أخبرَ محبوبته في هذه القصيدة بأنّه لا يزال وفيًّا لها، ويشتاق إلى أيام وصلها التي لا يمكن نسيانها، وكانت ولادة بنت المستكفي بيضاء البشرة شقراء الشعر، كما وصفها ابن زيدون في أشعاره.[١]
جعلت ولادة بيتها ملاذًا للأدباء وابن زيدون كان أحدهم وقد هامَ بعشقها وأحبها حبًّا شديدًا، وفي بداية الأمر، بادلته المشاعر نفسها، وكانت تجلس معه بين الأشجار الفارعة والأزهار الجميلة في الحدائق الرطبة، يتجاذب معها أطراف الحديث، ولكنها ما لبثت أن تغيرت عليه وتبدلت، وأصبحت تنكره أيما إنكار حتى هام على وجهه، وأصابه الألم على فراقها.[١]
من المعلوم أنّ ابن زيدون لم ينسَها بعد خروجه من السجن وقبل العفو عنه، فقد ظل ملتاعًا يكتب فيها القصائد ويبكي فراقها حتى نظم قصيدة طويلة تحكي عن حنينه وعشقه إليها وتسمى نونية ابن زيدون،[١] وقد قال الشاعر ابن زيدون في مطلعها:[٢]
أضحى التنائي بديلًا من تدانينا
:::وناب عن طيب لقيانا تجافينا
سبب تسمية نونية ابن زيدون بهذا الاسم
كثيرًا ما نجد العديد من القصائد التي تُسمّى بحرف رويها وصاحبها، مثل نونية ابن زيدون؛ حيث يكون هناك حرف واحد له سلطة على كامل النص، ثم على مجموع النص وتسميتها، ومنها: بائية أبي تمام، وسينيه البحتري.[٣]
وكان ابن زيدون قد نظم قصيدته هذه بعد ما سجن وزال عنه الجاه وخسر الحبيبة، فهي من قصائد الغزل التي تحتوي على رثاء الحال، لكونها تطرقت إلى ذكر ولادة[٤]، وقد شرح لها فيها كل ما يشعر به من أسى وعذاب العشق والفراق، حين قال:[٢]
كُنّا نَرى اليَأسَ تُسلينا عَوارِضُهُ
:::وَقَد يَئِسنا فَما لِليَأسِ يُغرينا
بِنتُم وَبِنّا فَما اِبتَلَّت جَوانِحُنا
:::شَوقًا إِلَيكُم وَلا جَفَّت مَآقينا
تحليل نونية ابن زيدون
شرح لأبيات نونية ابن زيدون
فيما يأتي شرح القصيدة التي أُرسلت إلى ولادة بنت المستكفي من ابن زيدون، الذي كان يعشقها ويسألها أن تظل على عهدها وأن تعود له، ويتحسر على أيامهما في الماضي معًا:[٥]
- أَضحى التَنائي بَديلًا مِن تَدانينا
:::وَنابَ عَن طيبِ لُقيانا تَجافينا
أَلّا وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ صَبَّحَنا
:::حَينٌ فَقامَ بِنا لِلحَينِ ناعينا
تحدث الشاعر في البيتين السابقين عن البعد والهجران الذي أصبح البديل لتقاربهما، وأصبح التجافي ينوب عن طيب اللقا بينهما، كما ظهر في البيت الثاني أن البعد والفرقة والانقطاع جاء، وقد نعى الناعي بهما للهلاك، والناعي هو المبلغ بالهلاك والموت.
مَن مُبلِغُ المُلبِسينا بِاِنتِزاحِهِمُ
:::حُزنًا مَعَ الدَهرِ لا يَبلى وَيُبلينا
أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا
:::أُنسًا بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا
تحدّث الشاعر في البيتين السابقين عن حبيبته؛ التي ألبسته الحزن بابتعادها عنه، ممّا خلف في قلبه حزنًا أبلاه وأبلاها، ويتحسر على الزمان الذي كان يضحكه بقربها أنه بات يبكيه.
غيظَ العِدا مِن تَساقينا الهَوى فَدَعَوا
:::بِأَن نَغَصَّ فَقالَ الدَهرُ آمينا
فَاِنحَلَّ ما كانَ مَعقوداً بِأَنفُسِنا
:::وَاِنبَتَّ ما كانَ مَوصولاً بِأَيدينا
تحدّث الشاعر في البيتين السابقين عن المُعادين لهم ودعواتهم لهما أن ينغص الدهر عليهما فاستُجيب لدُعائهم، حتى حلت عقدة حبهما وصار الهجران بديلًا للوصال.
وَقَد نَكونُ وَما يُخشى تَفَرُّقُنا
:::فَاليَومَ نَحنُ وَما يُرجى تَلاقينا
يا لَيتَ شِعري وَلَم نُعتِب أَعادِيَكُم
:::هَل نالَ حَظّاً مِنَ العُتبى أَعادينا
تحدث الشاعر في البيتين السابقين عن أيام ما كانا معًا ولا يُخشى من فراقهما، وكيف هما الآن ليس هناك أمل في تلاقيهما، وكيف أنّ الأعادي والحاسدين شمتوا فيهما ودخل السرور قلوبهم مما جرى بينهما من فراق.
لَم نَعتَقِد بَعدَكُم إِلّا الوَفاءَ لَكُم
:::رَأيًا وَلَم نَتَقَلَّد غَيرَهُ دينا
ما حَقَّنا أَن تُقِرّوا عَينَ ذي حَسَدٍ
:::بِنا وَلا أَن تَسُرّوا كاشِحًا فينا
يتحدث هنا الشاعر عن بقائه على عهد المحبوبة؛ وأنه لم يسلك مسلكًا غير حبها، ويعاتب محبوبته على هجرانها، له ممّا جعل المبغضين والحساد يشعرون بالسرور.
كُنّا نَرى اليَأسَ تُسلينا عَوارِضُهُ
:::وَقَد يَئِسنا فَما لِليَأسِ يُغرينا
بِنتُم وَبِنّا فَما اِبتَلَّت جَوانِحُنا
:::شَوقًا إِلَيكُم وَلا جَفَّت مَآقينا
يتحدث الشاعر في البيتين السابقين عن أحزانه التي كان ينساها الشاعر، ولكنه الآن وقد بات اليأس أملًا له، وصار يشجّع الشاعر على تجديد الأمل، ويتحدث الشاعر عن بعدها عنه وبعده عنها، حيثُ لم ينعم بها ولم ينسَ عهدها، وحتى إن دموعه لم تجف من البكاء حزنًا على أيامهما الفائتة ولم تجف مآقيه.
نَكادُ حينَ تُناجيكُم ضَمائِرُنا
:::يَقضي عَلَينا الأَسى لَولا تَأَسّينا
حالَت لِفَقدِكُمُ أَيّامُنا فَغَدَت
:::سودًا وَكانَت بِكُم بيضًا لَيالينا
يتحدث الشاعر هنا عن حاله عندما يذكر الحبيبة ويناجيها قلبه، كيف أنّ الأسى يقضي عليه لولا تصبيره لنفسه، حيثُ غدت الأيام مظلمة سوداء بعدما كانت بهم بيضاء بالسهر والنشوة مع ضوء القمر، وكأنّ نور محيا الحبيبة يزيل ظلمة الليل.
إِذ جانِبُ العَيشِ طَلقٌ مِن تَأَلُّفِنا
:::وَمَربَعُ اللَهوِ صافٍ مِن تَصافينا
وَإِذ هَصَرنا فُنونَ الوَصلِ دانِيَةً
:::قِطافُها فَجَنَينا مِنهُ ما شينا
يتحدّث الشاعر هنا عن العيش الذي كان جميلًا بقربهما من بعضهما بعضًا، ومكان اللعب يكسوه الصفاء من تصافيهما معًا، وأنّهما كانا يقطفان من قطوف الوصل الدانية ما يريدان.
لِيُسقَ عَهدُكُمُ عَهدُ السُرورِ فَما
:::كُنتُم لِأَرواحِنا إِلّا رَياحينا
لا تَحسَبوا نَأيَكُم عَنّا يُغَيِّرُنا
:::أَن طالَما غَيَّرَ النَأيُ المُحِبّينا
يدعو الشاعر هنا لمحبوبته دعاء محبة وذكرى بأن يسقيها الله من غيثه؛ حيثُ كانت لروحه كالرياحين، ويقول لها إنّ بعدها عنه لا يغيره، كما يغير البعدُ المحبين جميعًا.
وَاللَهِ ما طَلَبَت أَهواؤُنا بَدَلًا
:::مِنكُم وَلا اِنصَرَفَت عَنكُم أَمانينا
يا سارِيَ البَرقِ غادِ القَصرَ وَاِسقِ بِهِ
:::مَن كانَ صِرفَ الهَوى وَالوُدُّ يَسقينا
يُقسم الشاعر هنا أنّ أهواءه لم تطلب يومًا بدلًا عنها، وأمانيه لم تكن لسواها يومًا، ويطلب من الله أن يسوق البرق ويسقي قصرها، فقد كانت تسقيه الحب والهوى قبلًا.
وَاِسأَل هُنالِكَ هَل عَنّى تَذَكُّرُنا
:::إِلفاً تَذَكُّرُهُ أَمسى يُعَنّينا
وَيا نَسيمَ الصَبا بَلِّغ تَحِيَّتَنا
:::مَن لَو عَلى البُعدِ حَيّا كانَ يُحَيّينا
يطلب الشاعر هنا من البرق أن يسأل عن محبوبته، وإن كانت تذكره وتذكر حبه من باب الألفة، وهل ما زالت تذكره، ويطلب من نسيم الصبا أن يبلغ تحيته لمن لولا البعد لحيته.
فَهَل أَرى الدَهرَ يَقضينا مُساعَفَةً
:::مِنهُ وَإِن لَم يَكُن غِبّاً تَقاضينا
رَبيبُ مُلكٍ كَأَنَّ اللَهَ أَنشَأَهُ
:::مِسكًا وَقَدَّرَ إِنشاءَ الوَرى طينا
يتساءل الشاعر هنا فيما لو كانت الأيام تسعده في الوصل، حتى لو لم يأخذ فيها حقه، ويتحدث هنا عن محبوبته التي كانت ربيبة الملوك، وكان الله خلقها من مسك وجعل باقي الخلق من طين.
أَو صاغَهُ وَرِقًا مَحضًا وَتَوَّجَهُ
:::مِن ناصِعِ التِبرِ إِبداعًا وَتَحسينا
إِذا تَأَوَّدَ آدَتهُ رَفاهِيَةً
:::تومُ العُقودِ وَأَدمَتهُ البُرى لينا
يُكمل في البيتين التاليين وصف محبوبته التي يظن أنّ الله صاغها من الفضة وتوّجها من الذهب بعد إذابته، إذا تثنى واختال في مشيته، وكانت عقود الدر التي أسالت في خروج الدم لشدة لينها.
كانَت لَهُ الشَمسُ ظِئرًا في أَكِلَّتِه
:::بَل ما تَجَلّى لَها إِلّا أَحايينا
كَأَنَّما أُثبِتَت في صَحنِ وَجنَتِهِ
:::زُهرُ الكَواكِبِ تَعويذًا وَتَزيينا
يصف الشاعر هنا الشمس وكأنها كانت مرضعتها، وكأنّ في وجنتيها رقية من العين والحسد من شدة الحسن والجمال.
ما ضَرَّ أَن لَم نَكُن أَكفاءَهُ شَرَفًا
:::وَفي المَوَدَّةِ كافٍ مِن تَكافينا
يا رَوضَةً طالَما أَجنَت لَواحِظَنا
:::وَرداً جَلاهُ الصِبا غَضّاً وَنَسرينا
يتساءل الشاعر هنا حول ما كان يضر لو ظلا معًا، وتشرف بوصالها، فهما يملكان من المودة ما يكفي، ويصفها بالروضة التي لطالما جعلته يجني ويقطف منها الورد والنسرين وهو الورد الأبيض.
وَيا حَياةً تَمَلَّينا بِزَهرَتِها
:::مُنىً ضُروباً وَلَذّاتٍ أَفانينا
وَيا نَعيماً خَطَرنا مِن غَضارَتِهِ
:::في وَشيِ نُعمى سَحَبنا ذَيلَهُ حينا
يصف الشاعر هنا حبيبته بأنّها حياة تمتع بها، وفيها من الملذات والأماني أنواع متعددة ذات أشكال وألوان مختلفة، ويُناجي النعيم الذي مشى فيه أعوامًا، في ثياب ذات حُسن وبهاء، ومشينا فيها بزهو.
لَسنا نُسَمّيكِ إِجلالًا وَتَكرِمَةً
:::وَقَدرُكِ المُعتَلي عَن ذاكَ يُغنينا
إِذا اِنفَرَدتِ وَما شورِكتِ في صِفَةٍ
:::فَحَسبُنا الوَصفُ إيضاحاًّ وَتَبيينا
يُظهر الشاعر في هذا البيت غيرة المُحب الولهان، الذي يرفض تسمية حبيبته فقدرها عالٍ ولا داعٍ لتسميتها، فهي المتفردة التي ليس لها شبيه، إذ يكفي الوصف والمجاز ويغني عن الوصف والتبيين.
يا جَنَّةَ الخُلدِ أُبدِلنا بِسِدرَتِها
:::وَالكَوثَرِ العَذبِ زَقّوماً وَغِسلينا
كَأَنَّنا لَم نَبِت وَالوَصلُ ثالِثُنا
:::وَالسَعدُ قَد غَضَّ مِن أَجفانِ واشينا
وصف الشاعر في هذا البيت حاله الذي تغيّر من جنة الخلد إلى النار الحارقة، عوضًا عن السدرة والكوثر صار الزقوم والغسلين من البعد والجفاء، فقربها جنة والبعد عنها نارٌ حارقة، ويقول إنّ تلك الأيام كأنها لم تكن وكأنّ الواشين لم يفسد عليهم سعادتهم.
إِن كانَ قَد عَزَّ في الدُنيا اللِقاءُ بِكُم
:::في مَوقِفِ الحَشرِ نَلقاكُم وَتَلقونا
سِرّانِ في خاطِرِ الظَلماءِ يَكتُمُنا
:::حَتّى يَكادَ لِسانُ الصُبحِ يُفشينا
يقول الشاعر في هذين البيتين إن لم يكن هناك أمل اللقاء بهم في الدنيا، فإنه سيلقاها وتلقاه يوم القيامة، ويعتبر نفسه ومحبوبته سرين يكتمهما الظلام (سران في خاطر الظلماء)، ولكن لسان الصبح ما يلبث أن يخرج ويفشي سرهما.
لا غَروَ في أَن ذَكَرنا الحُزنَ حينَ نَهَت
:::عَنهُ النُهى وَتَرَكنا الصَبرَ ناسينا
إِنّا قَرَأنا الأَسى يَومَ النَوى سُوَرًا
:::مَكتوبَةً وَأَخَذنا الصَبرَ تَلقينا
يقول الشاعر هنا إنّ هناك سر أثر المحبة وسر عدم الإفصاح وقد كانا مكتومين إلا عندما يظهر الصباح، فالصباح يخفي خبايا الليل وليس دونه سترًا ويقول الشاعر إنّه لا شك ذكر الحزن حين نهت عنه العقول ونسي الصبر على فراق الحبيبة، يقول إنه قرأ الأسى يوم الفراق كالسور المكتوبة وقد تلقى الصبر وثبت فيه وطُبِع.
أَمّا هَواكِ فَلَم نَعدِل بِمَنهَلِهِ
:::شُرَبًا وَإِن كانَ يُروينا فَيُظمينا
لَم نَجفُ أُفقَ جَمالٍ أَنتِ كَوكَبُهُ
:::سالينَ عَنهُ وَلَم نَهجُرهُ قالينا
يقول الشاعر هنا إنّ حبه للحبيبة يزداد كالمنهل، الذي كلما شرب منه ازداد عطشًا، ويخبر الشاعر حبيبته بأنه لم يجفُ أفق جمال هي فيه الكوكب، ولم ينساه ولم يهجره.
وَلا اِختِيارًا تَجَنَّبناهُ عَن كَثَبٍ
:::لَكِن عَدَتنا عَلى كُرهٍ عَوادينا
نَأسى عَلَيكِ إِذا حُثَّت مُشَعشَعَةً
:::فينا الشَمولُ وَغَنّانا مُغَنّينا
يقول الشاعر هنا إنّ الفراق لم يكن من اختياره، ولكن الفواجع والدواهي أتت عليه، فهو يشعر بالأسى كلما هبت نسائم الصفاء العليلة وسمع تلك الأغاني.
لا أَكؤُسُ الراحِ تُبدي مِن شَمائِلِنا
:::سِيَما اِرتِياحٍ وَلا الأَوتارُ تُلهينا
دومي عَلى العَهدِ ما دُمنا مُحافِظَةً
:::فَالحُرُّ مَن دانَ إِنصافاً كَما دينا
ويردف قائلًا ألّا كؤوس الخمر تنسيه الحبيبة ولا الأغاني تلهيه عن الوجد لحبيبته، يطلب هنا من حبيبته أن تدوم على العهد وتحافظ عليه، فالإنسان الحر هو الذي يفي بدينه.
فَما اِستَعَضنا خَليلًا مِنكِ يَحبِسُنا
:::وَلا اِستَفَدنا حَبيبًا عَنكِ يَثنينا
وَلَو صَبا نَحوَنا مِن عُلوِ مَطلَعِهِ
:::بَدرُ الدُجى لَم يَكُن حاشاكِ يُصبينا
يقول هنا الشاعر: لا خليل سواك ولا يمكن أن يأتي حبيب يغني عن وجودها بجانبه، حتى لو ظهر له البدر بنوره ما أغناه عن حبها، وأنه يبكي وفاء لحبها فطيفها وذكرها يكفيانه.
أَبكي وَفاءً وَإِن لَم تَبذُلي صِلَةً
::كفَالطَيّفُ يُقنِعُنا وَالذِكرُ يَكفينا
وَفي الجَوابِ مَتاعٌ إِن شَفَعتِ بِهِ
:::بيضَ الأَيادي الَّتي ما زِلتِ تولينا
عَلَيكِ مِنّا سَلامُ اللَهِ ما بَقِيَت
:::صَبابَةٌ بِكِ نُخفيها فَتَخفينا
يتمنى الشاعر هنا من محبوبته لو تجود وتشفع وتكرم عليه، فهو ما زال يحبها وينتظر وصلها وبالرغم من إخفاء أمره ولكن محبته ما زالت تظهره وتفضحه.
الصور البلاغية في نونية ابن زيدون
يمكن تعريف الوزن والقافية في النص الشعري بأنه الإيقاع الخارجي للنص، والذي يمثل أحد عناصر المستوى الصوتي في القصيدة وهو وشيء أساسي من مكونات النص الشعري.[٦]
تعبّر نونية ابن زيدون عن عاطفة نبيلة يحملها الشاعر لولّادة ويبكي فيها حبه لها، ويسألها أن تدوم على العهد، ويتحسر على أيامهما، واختار الشاعر بحر البسيط التام الذي ينتظم الوحدات الموسيقية، وفيما يلي توضيح لبعض الصور البلاغية في نونية ابن زيدون:[٦]
- استخدام بحر البسيط
استخدم الشاعر في قصيدته البحر البسيط وهو على النحو الآتي؛ مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن.
- القافية
المتحرك قبل ساكنين في آخر البيت من الشعر، وهي العنصر الثاني من عناصر الشعر، والجزء الأساسي في تكوين الموسيقى الشعرية؛ فلا يكون الشعر شعرًا بدونه، كما تؤدي القافية دورًا أساسيًّا في إثراء الموسيقى ومن أجل التعبير عن جو القصيدة النفسي، فضلًا عما يحدثه إيقاعها من انسجام صوتي يجذب انتباه المتلقي إلى العبارات الشعرية.
- الغزل
قد يكون لغرض (الغزل) أهمية في النظم كما أنه الأسرع في إيصال الشعور وما يكنه الشاعر من حسرات أو مشاعر الفرح والسعادة.
- حسن الابتداء وبراعة الاستهلال
أبدع الشاعر في توجيه السامع نحو محتوى القصيدة ولخصّ الأفكار الواردة فيها ببساطة، فقد قدم صورة لما كان عليه من اجتماع ومودة وتلاقي مع الحبيبة، ولكن ما لبث أن تغير حالهما بعد التباعد والجفاء، حتى أصبح الفراق مؤكدًا، وكل ذلك من خلال صور تقابلية واضحة وموجزة، فقد أضاف لها تكرار النونات والياءات نغمةً موسيقيةً عذبةً.
- التكرار في حرف النون
وقد تكرر في قصيدة ابن زيدون فلا يكاد يخلو منها بيت.
الصور البيانية في نونية ابن زيدون
ظهرت الصور البيانية في نونية ابن زيدون من خلال العديد من المواضع المختلفة وتنوعت الصور البيانية ما بين جناس وطباق ومقابلة وغيرها، وفيما يأتي توضيح بعضها:[٧]
- ظهر في البيت الأول المقابلة التي عبرت عن مشاعر ابن زيدون، ودخلت محسنات اللفظ في المطابقة بين التداني التنائي وطيب اللقيا والتجافي، وفي البيت الثالث والرابع استخدم محسنات اللفظ لا يبلى ويبلينا، وقد استخدم الطباق بين عجزي الشطرين إذ قابل بين حال مضت وأخرى حلّت.
- استخدم المقابلة في البيت السابع إذ قابل ما بين وقد نكون واليوم نحنُ وبين ما يرجى تفرقنا وما يرجى تلاقينا.
- استخدم الاستعارة في البيت الخامس فقد استعار الشراب للهوى بعدما شبهه بمشروب يتبادله الحبيبان، كما استخُدِمت في البيت السادس.
- رصّع الشاعر البيت الثامن بمحسنات اللفظ البديعية، وقد استخدم طباق السلب بين لم نعتب ونال حظًا من العتبى، في البيت التاسع كان بارعًا في الاستعارة حيث استخدم نتقلد عوضًا عن نعتقد في (نتقلد الوفاء دينًا).
- ألبس الشاعر البيت العاشر المعنى ثوبًا من اللفظ مختلفًا، ويتضع ذلك في الترادفات اللغوية التالية؛ تقروا وتسروا وعين ذي حسد وكاشح، وطابق بين بِنا وفينا، وفي البيت الحادي عشر استخدم الجناس بين اليأس وتسلينا لإظهار المعنى، وطابق بين اليأس والإغراء.
- في البيت الثاني عشر استخدم الاشتقاق؛ حيث اشتق بنتم وبنا من البين، ومن ثم جانس بينهما.
- نرى في البيت الثالث عشر التحامًا بين محسنات اللفظ ومحسنات المعنى؛ مثل جناس الاشتقاق الأسى وتأسينا والاستعارة التشخيصية يقضي علينا الأسى وتناجيكم ضمائرنا، البيت الرابع عشر؛ بين الشاعر الكناية بالألوان ليظهر حالته التي تغيرت بعد فقد أحبابه.
- استخدم المقابلة التي زادت من إبراز المعنى وقوته، البيت الخامس عشر؛ تقابلت الاستعارة مع الجناس الأنيق بين طلق وصاف من تصافينا.
- استخدم الاستعارة في البيت الثامن عشر في نأيكم يغيرنا، كما زاد من استخدام طباق السلب بين الشطرين الاستعارة جمالًا وأمعن في إخفائها.
- استخدم الشاعر في البيت التاسع عشر الطباق بين ما طلبت وما انصرفت، ممّا أسهم في امتزاج اللفظ بالمعنى.
- جمع في البيت العشرين بين الخيال والاستعارة حتى بدا المجاز حقيقةً بين عينيه، فخيل إليه أن السحاب شخص فناداه.
- استخدم في البيت الثاني والعشرين التشبيه الضمني فقد شبه اللقاء بالحياة والبعد بالموت، في البيت الثالث والعشرين استعار للدهر القضاء وخصه بالمساعدة في سبيل الاستعارة المكنية.
- اختصر الشاعر في البيت الرابع والعشرين قوله في (ربيب ملك) الكثير من المعاني والصفات التي قصدها مثل؛ أنهم مسـتقر عـز، وملـوك ذوو حاضرة، وأنّ الحبيبة قد تربت الحبيب تربية القصور وبذلك نرى أنه أصاب كل تلك المعاني بكلمتين.
الضمائر في نونية ابن زيدون
تكرّر الضمير (نا) في أبيات ابن زيدون من أول القصيدة إلى آخرها، فيه إشارة إلى قرب العلاقة بين العاشقين، إذ كانا يتشاركان الأحداث، والذكريات، والمواقف، حيث ينتج عن تكرار الضمير إيقاع تناغمي يوقظ الدلالة، ويبعث فيها الحراك الجمالي، فهو أهم جانب في الصور الشعرية ومصدر الجذر والحركة فيها التي تعتبر ركيزة أساسية.[٦]
وبذلك يعتبر تكرار الضمير (نا) أحد صور التلاحم الفني في نونية ابن زيدون، إذ دلل الشاعر من خلاله على إحساسه وحساسيته ورقته،[٦] ومن شأن هذا التكرار للضمير (نا) أن يرفع من وتيرة الإيقاع والموسيقى الصوتية؛ إذ تعدد تكرار الضمير في كل شطر من القصيدة بطريقة فنية ذات إيحاء عالٍ.[٦]
وقد تعمّد الشاعر استخدام هذا الأسلوب الذي يعتبر عفويًا؛ من أجل زيادة تماسك النص وانسجامه وتلاحمه من الناحية الفنية والذي يدل على قوة العلاقة بينه وبين محبوبته ولّادة.[٦]
المراجع
- ^ أ ب ت ث الدكتور شوقي ضيف، ابن زيدون، صفحة 21-27 43 51. بتصرّف.
- ^ أ ب ابن زيدون، "أضحى التنائي بديلا من تدانينا"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 20/9/2021.
- ↑ محمد بنيس، الشعر العربي الحديث: التقليدية، صفحة 103. بتصرّف.
- ↑ حبيب مونسي، توترات الإبداع الشعري، صفحة 110. بتصرّف.
- ↑ عبدالله سندة، كتاب ديوان ابن زيدون، صفحة 11 - 16. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج ح "التماسك النصي في نونية ابن زيدون"، جورنالز، اطّلع عليه بتاريخ 20/9/2021. بتصرّف.
- ↑ "الفن البلاغي في نونية ابن زيدون"، الفن البلاغي، اطّلع عليه بتاريخ 20/9/2021. بتصرّف.