هجاء ابن زيدون لابن عبدوس

كتابة:
هجاء ابن زيدون لابن عبدوس

رسالة هجاء ابن زيدون لابن عبدوس

كتب ابن زيدون رسالة هزلية لابن عبدوس قال فيها: "أمّا بعد أيها المصاب بعقله، المورط بجهله البيّن سقطه، الفاحش غلطه، العاثر في ذيل اغتراره، الأعمى عن شمس نهاره الساقط سقوط الذباب على الشراب المتهافت تهافت الفراش في الشهاب، فإن العجب أكبر، ومعرفة المرء نفسه أصوب، وإنك راسلتني مستهديًا من صلتي ما صفرت منه أيدي أمثالك، متصدًيا من خلّتي ما قُرعت دونه أنوف أشكالك.[١]


مرسلًا خليلتك مرتادة، مستعملًا عشيقتك قوادة، كاذبًا نفسك أنك ستنزل عنها إلي، وتخلف بعدها علي، ولست بأول ذي همة دعته لما ليس بالنائل ولا شك أنها قلتك إذ لم تضن بك، وملتك إذ لم تغر عليك، فإنها أعذرت في السفارة لك، وما قصرَتْ في النيابة عنك، زاعمة أن المروءة لفظ أنت معناه والإنسانية اسم أنت جسمه وهيولاه، قاطعة أنك انفردت بالجمال، واستأثرت بالكمال، واستعليت في مراتب الجلال، واستوليت على محاسن الخلال.[١]


حتى خلت أنّ يوسف -عليه السلام- حاسنَكَ فغضضت منه، وأنّ امرأة العزيز رأتك فسلت عنه، وأنّ قارون أصاب بعض ما كنزت، والنّطِفَ عثر على فضل ما ركزت، وكسرى حمل غاشيتك، وقيصر رعى ماشيتك، والسكندر قتل دارا في طاعتك، وأردشير جاهد ملوك الطوائف لخروجهم عن جماعتك، والضحاك استدعى مسالمتك، وجذيمة الأبرش تمنى منادمتك.[١]


وشيرين قد نافست بوران فيك، وبلقيس غايرت الزباء عليك، وأن مالك بن نويرة إنما ردف لك، وعروة ابن جعفر إنما رحل إليك، وكليب بن ربيعة إنما حمى المرعى بعزتك، وجساسًا إنما قتله بأنفتك، ومهلهلًا إنما طلب ثأره بهمتك، والسموءل إنّما وفّى عن عهدك، والأحنف إنّما احتبى في بردك، وحاتمًا إنّما جاد بوفرك، ولقى الأضياف ببشرك، وأن هرمس أعطي بلينوس ما أخذ منك، وأفلاطون أورد على أرسطاطاليس ما نقل عنك، وبطليموس سوّى الأسطرلاب بتدبيرك، وصور الكرة على تقديرك.[١]


وبقراط علّم العلل والمراض بلط حسك، وأنك نهجت لأبي معشر طريق القضاء، وأظهرت جابر بن حيان على سر الكيمياء، وأعطيت النظّام أصلًا أدرك به الحقائق، وجعلت للكندي رسمًا استخرج به الدقائق، وأن صناعة الألحان اختراعك، وتأليف الأوتار والأنقار توليدك وابتداعك، وأنّ عبد الحميد بن يحيى بارى أقلامك، وسهل بن هارون مدونٌ كلامك، وعمرو بن بحر مستمليك، ومالك بن أنس مستفتيك.[١]


وأنك الّذي أقام البراهين، ووضع القوانين، وحد الماهية، وبين الكيفية والكمية، وناظر في الجوهر والعَرَض، وميز الصحة من المرض، وفك المعمّى، وفصل بين الاسم والمسمى، وصرف وقسم، وعدل وقوّم وصف الأسماء والأفعال، وبوب الظرف والحال، وبنى وأعرب، ونفى وتعجب ووصل وقطع، وثنى وجمع وأظهر وأضمر، واستفهم وأخبر وأهمل وقيد، وأرسل وأسند، وبحث ونظر، وتصفح الأديان".[١]


لماذا قام ابن زيدون بهجاء ابن عبدوس؟

كتب ابن زيدون رسالة هزلية هجائية لابن عبدوس،[٢] وكان ابن زيدون يحقد حقدًا شديدًا على ابن عبدوس بسبب منافسته على حب ولادة، وكان ابن عبدوس يُحاول التقرب من ولادة عن طريق امرأة يبعثها لها فتُرقق القلوب بينهما، فلما علم ذلك اهتدى فكره أن يكتب رسالة على لسان ولادة حتى يكون جرحه أعمق.[٣]


ماذا حدث لابن زيدون بعد هجائه لابن عبدوس؟

لمّا نال ابن زيدون من كرامة ابن عبدوس ظلّ يحيك له المكائد حتى أوداه أخيرًا في غياهب السجن، وبقي في السجن مُحاولًا استعطاف ابن جَهور كي يُفرج عنه بالشعر والنثر.[٤]


المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج ح شوقي ضيف، كتاب ابن زيدون، صفحة 96.
  2. نزار السعودي، المثقف والسلطة، صفحة 17. بتصرّف.
  3. بحث منشور، الشاعر ابن زيدون، صفحة 16. بتصرّف.
  4. سهيلة خيال، فن الرسالة في العصر الأندلسي، صفحة 48. بتصرّف.
5736 مشاهدة
للأعلى للسفل
×