قد لا تؤثر قوانين منع التدخين جذريا على خفض مستوى التدخين وعدد المدخنين في المستقبل القريب، لكننا بالتأكيد سوف نشهد تغييرا على مستوى الوعي العام لمضار التدخين وتداعياته القاتلة
بعد اكثر من عقد على بدء فرض وتطبيق قوانين منع التدخين في الأماكن العامة في العالم وبشكل متسلسل ابتداء من نيوزيلندا عام 2003 وايرلندا عام 2004 ، لحقت بعض الدول العربية على استحياء بهذا الركب لتمنع التدخين في الأماكن العامة والدوائر الحكومية ، كان آخرها لبنان الذي كان ولا زال يعتبر جنة للمدخنين في العالم العربي والعالم قاطبة.
تستند أسباب فرض قوانين منع التدخين على حقيقة أن التدخين عملية اختيارية بينما التنفس لا. لهذا يتم الاعتقاد أن قوانين التدخين لا تأتي بالأساس لتخدم صحة المدخن الذي لن يتوقف بفعل هذا القانون عن التدخين بل تهتم بالذين يتنشقون الهواء ويعرفون بالمدخنين السلبيين. فتنشق الهواء أو دخان السجائر المختلفة يخلق المشكلة لدى الفريق السلبي ويزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب، السرطان، انتفاخ الرئة، وأمراض أخرى كذلك.
من الدول العربية التي منعت التدخين في الدوائر الحكومية والأماكن العامة نذكر، مصر في عام 2007 إضافة إلى السعودية والأردن، سوريا، دولة الإمارات العربية المتحدة، مملكة البحرين سلطنة عُمان، قطر، الكويت، الجمهورية اليمنية ولبنان كما ذكرنا.
فإذا كانت هذه القوانين لا تحمي صحة المدخن من نفسه ومن عادته السيئة والقاتلة هذه فهي ليس من المؤكد تحمي المدخن السلبي وخاصة في المدن الكبيرة المزدحمة والمكدسة بالسكان والعابرين.
ففي مدينة ضخمة ومكتظة بالسكان كالقاهرة قد يقر القانون منع التدخين في الدوائر الحكومية وفنادق الخمس نجوم ولكن ليس من المؤكد أنه يتم تطبيق هذا القانون في الشركات والمكاتب الخاصة مثلا أو المطاعم الشعبية. كما أن التدخين في الشارع العام أو في مقاهي الشارع لا يعني بتاتا تلاشي الخطر عن مستنشقي دخان التبغ المحروق ، فتلاصق الاكتاف والتدافع في ساعات الذروة في منطقة وسط البلد في القاهرة مثلا أو في الطوابير الطويلة أمام دور السينما أو المخابز أو المرافق العامة والخاصة ، حيث يمسك كل فرد سيجارته المشتعلة من دون أدنى اكتراث، تخلق جميعها سراديب طويلة ودوائر مغلقة من ضحايا التدخين السلبي وهواء مشبعا بالغازات الضارة المنبعثة من السجائر. فتكفي جولة قصيرة سيرا على الأقدام في شوارع القاهرة المزدحمة كي يشعر المرء أن صدره مثقل بدخان السجائر وملابسه مشبعة برائحته المنتشرة في كل مكان به تجمهر كالأسواق العامة وخان الخليلي ومحطات الانتظار والملاهي.
يذكر أنه قامت السلطات السعودية عام 2012 بمنع التدخين في الأماكن العامة والمطاعم والمقاهي والأسواق المغلقة والوزارات والمصالح الحكومية والمؤسسات العامة.
وشدد القرار السعودي على منع بيع الدخان لمن هم أقل من 18 سنة لأي مبرر كان، وتم إبلاغ الجهات المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة.
تشير الإحصائيات في سنة اتخاذ قرار المنع (عام 2012) إلى أن حجم سوق التبغ في السعودية يتجاوز 1.4 مليار ريال، كما وتحتل السعودية المرتبة الرابعة على مستوى العالم في استيراد الدخان، والمرتبة 19 من حيث ارتفاع معدلات نمو سوق التبغ بها. وبيلغ عدد المدخنين في السعودية التي يبلغ تعداد سكانها حوالي 16 مليون نسمة أكثر من ستة ملايين مدخن، ينفقون ثلاثين مليون ريال يومياً. وشهدت السوق السعودية تزايداً في مبيعات التبغ خلال السنوات التي سبقت المنع، وكانت آخر إحصائية من الواردات أكثر من بليون و490 مليون ريال.
ومن المهم بمكان هنا فحص أمر هام وهو هل انخفضت نسب استيراد التبغ وبيع السجائر وأعداد المدخنين بالفعل في الدول التي طبقت قوانين المنع أم أن المدخنين اكتفوا فقط بنقل أماكن تدخينهم من المكاتب إلى خارجها ومن المولات إلى الشوارع والمقاهي التي لا تخضع للرقابة.
إذا كانت قوانين منع التدخين لا تؤثر جذريا على خفض مستوى التدخين وعدد المدخنين في المستقبل القريب وإذا كنا لا نلحظ أي تغيير رقمي في السنوات القريبة القادمة، لكننا بالتأكيد نشهد وسوف نشهد تغييرا على مستوى الوعي العام لمضار التدخين وتداعياته القاتلة، فإذا كانت مشاهد سينمائية لمحمود ياسين وفريد شوقي وهما يقومان بإجراء عمليات جراحية ويمسكون السيجارة المشتعلة في أثنائها ، كانت تبدو طبيعية وغير ملفتة قبل عشر\عشرين\ثلاثين سنة فإنها على الأقل قد تبدو حاليا مشاهد كوميدية أو طريفة يمكن مشاركتها مع الأصدقاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي.