هل للسعادة رائحة وهل هي معدية

كتابة:
هل للسعادة رائحة وهل هي معدية

دراسة حديثة، تحرى باحثون في هولندا كيف يمكن للسعادة أن تنتشر إلى الآخرين عبر رائحة الجسم، وبعملية تسمى إرسال الإشارات الكيميائية "كيمو سيجنالينج".

"اكتشف الباحثون أنه يمكن للبشر تحديد متى يشعر الآخرون بالسعادة، و ذلك من خلال حاسة الشم،" التقارير المستقلة؛ الإفراط في الحماسة إلى حد ما.

جمع الباحثون عينات من مفرزات العرق عند 9 رجال في أثناء 3 جلسات هدفت إلى جعلهم يشعرون بالسعادة أو الخوف أو الحياد، واستخدموا مقاطع فيديو لتحفيز تلك المشاعر.

وبعد ذلك، طلب الباحثون من 35 فتاة شم هذه العينات، وسجلوا ردود أفعالهن عند القيام بذلك.

وجد الباحثون أن الفتيات كن أكثر ميلا لإظهار استجابات تعبر عن السعادة في عضلات الوجه في حال أخذت عينة العرق في أثناء مشاهدة الرجال لمقاطع فيديو تحفز على الشعور بالفرح، وبدا أنهن قادرات على معرفة ما إذا جاءت تلك العينات من رجال في حالة سعادة أو خوف بالمقارنة مع حالة حياد، ولكن لم يظهِرن قدرة على التمييز بين الحالات.

ويجب التنويه إلى أنه من غير الممكن لمثل هذه الدراسة الصغيرة أن تكون قادرة على أن تبين بكل تأكيد أن أية تغيرات كانت تعود إلى الرائحة.

قد تكون الفرضية، التي تقول إن الانفعالات تنتشر عبر الرائحة، مقبولة ظاهريا لأي شخص كان في حفلة راقصة صاخبة أو مر بحالة من الهذيان، أو الحفلات المناظرة لمن هم في منتصف العمر، أو الرقص.

وربما تثير نتائج هذه الدراسة الانتباه، ولكنها لا تثبت على أن روائِح الجسم يمكن أن تنقل مشاعر الفرح أو الحزن للآخرين.

من أين نشأت القصة؟

أجرى هذه الدراسة باحثون من جامعة أوترخت في هولندا، وجامعة كوك في تركيا، ومعهد علم النفس في لشبونة ومعهد يونيليفر للأبحاث في المملكة المتحدة وهولندا. كما تم تمويل الدراسة من قبل شركة يونيليفر، ومنظمة هولندا للبحوث العلمية والمؤسسة البرتغالية للعلوم والتكنولوجيا.

نشرت الدراسة في المجلة الطبية لمراجعة الأقران فيما يتعلق بعلم النفس.

وقد ذكرت وسائل الإعلام في المملكة المتحدة هذا البحث بدقة فيما يتعلق بالقصة الحقيقية، على الرغم من أن بعض كتاب العناوين الرئيسية قد وضعوا أنفسهم في ورطة. فعلى سبيل المثال، عنوان صحيفة ديلي تلغراف "يمكنك فعلا أن تشم رائحة الفرح"، في حين أن الجانب البهيج، غير مثبت.

وأيضا، فإن وسائل الإعلام لم تفسر أيا من القيود المفروضة في تصميم الدراسة.

ما هو نوع هذا البحث؟

هذا البحث عبارة عن دراسة تجريبية لتأثير روائح الجسم في نقل العواطف البشرية من شخص إلى آخر. وقد اقترحت الأبحاث السابقة أن المشاعر السلبية، لاسيما الخوف يمكن نقلها إلى الآخرين من خلال روائح الجسم من خلال عملية تسمى إرسال الإشارات الكيميائية/ كيموسيجنال.

كيموسيجنالينج هي ظاهرة معترف بها في بعض أنواع الحيوانات مثل القوارض والغزلان. إلا أنه لا تزال محل نقاش ما إذا كانت كيموسيجنالينج تحدث لدى البشر أم لا.

ويهدف الباحثون إلى معرفة ما إذا كان يمكن نقل المشاعر الإيجابية من خلال كيموسيجنال. وإذا ما كان من الممكن من حيث الجوهر، لرائحة العرق لشخص في حالة سعادة أن تسبب السعادة أم لا.

ما الذي تتضمنه هذه الأبحاث؟

وقد تم أخذ عينات العرق من الرجال خلال ظروف تهدف إلى جعلهم يشعرون بالخوف أو السعادة أو الحياد. ثم طلب من النساء أن يقمن بشم رائحة هذه العينات ومن ثم تم قياس ردة فعلهن العاطفية من خلال تعابير الوجه ثم تم عمل تقرير بالمشاعر المستوحاة، كما تم أيضا اختبار مستوى الإنتباه لديهن، حيث يقول الباحثون إن السعادة توسع نطاق الانتباه" بينما يضيقه الخوف. وفي هذا الاختبار قدم تسعة رجال قوقازيين أصحاء يتراوح متوسط أعمارهم 22 عام عينات العرق الخاصة بهم. وقد تم جمع عينات العرق باستخدام منصات الإبط خلال ثلاث جلسات منفصلة، كل أسبوع واحد على حدة. وفي الجلسة الاولى حاول الباحثون أن يبثوا الخوف لدى الرجال من خلال عرض تسعة مقاطع من الأفلام. وتهدف الجلسة الثانية إلى جعل الرجال يشعرون بالسعادة، من خلال عرض لقطة من "الضروريات الصريحة" من كتاب الأدغال و مشهد لدار الأوبرا من المنبوذون ( وهو فيلم"فيلجود/التفاؤل" عن العلاقات بين عاجز، وهو سجين سابق). وقد اشتملت الجلسة الختامية على مقاطع تليفزيونية محايدة مثل تقارير الطقس. وجدير بالذكر أن الرجال قاموا بغسل ما تحت إبطهم قبل بدء الجلسات ثم جمدت اللاصقات بعد الجلسات. ثم طلب من الرجال الكف عن الأنشطة التالية لمدة يومين قبل كل دورة لتجنب "تلويث" عينات العرق:

  • شرب الكحول
  •  الممارسات الجنسية
  • أكل الثوم أو البصل
  • التمارين المفرطة

وسواء تم تقييم الجلسات التي تحث على العواطف المرغوبة لدى الرجال باستخدام مهمة الرموز الصينية والاستبيان أم لا. وتشمل مهمة الرموز الصينية البحث في الرموز الصينية وذلك لتصنيفهم على مقياس يتراوح من السارة إلى غير السارة مقارنة بمتوسط الحروف الصينية. والهدف من المهمة هو إعطاء إشارة تعبر عن الحالة التي يكون عليها المشاهدون عندما يروا الحروف، بتصنيفهم بالمزيد من السعادة عندما يكونوا في مزاج سعيد.  ويتم سؤال الرجال في الاستبيان للتعبير عن وتصنيف مدى الغضب والخوف والسعادة والحزن والاحتقار والحياد والدهشة والهدوء أو المتعة التي يشعرون بها، وكل منهم على مقياس مدرج من واحد (وليس على الإطلاق ) إلى سبعة  (كثير جدا).

ومن ثم تم إذابة لاصقات العرق وتجزئتها ووضعها في قوارير لتشكيل عينات السعادة و الحياد والخوف. وقد تم وضع كل نوع من أنواع العينات تحت أنف 35 طالبة. ومن ثم تم تسجيل تعابير الوجه في الخمس ثوان التالية لشم رائحة القوارير وذلك باستخدام لاصقات جهاز قياس كهربية العضلات. ويستخدم هذا الجهاز لالتقاط النشاط الكهربي الذي تنتجه العضلات والعظام المتحركة (أي اذا كان مبتسما أو كان مستاءا).

وقد أنهى الطلاب مهمة الرموز الصينية والاختبارات الأخرى اللازمة لقياس مستوى انتباههم خلال القيام بشم كل قارورة من القوارير.

وبعدما تم القيام بشم رائحة كل قارورة من القوارير، طلب من الطالبات القيام بتصنيف روائح القوارير بالنسبة لمدى كونهم يشعرون بالسرور والسعادة بالإضافة إلى مدى تركيزهم. كما طلب منهم أيضا أن يحددوا ما إذا كانوا يعتقدون أن هذه العينات قد تم استخلاصها من أفراد يشعرون بالسعادة أو الخوف أو الحياد، وقد تم دفع 12 يورو للمشاركة.

وقد تم جمع جميع الرجال و النساء متغايري الجنس – لمحاولة توحيد الإشارات الكيميائية المنبعثة من الرجال، والاستجابة من النساء.

ما هي النتائج الأساسية؟

تشير نتائج الاختبارات التي تم جمعها للرجال أن المشاعر الإيجابية تتسبب فيها وتحث عليها حالات السعادة بصفة رئيسية أما المشاعر السلبية فيتسبب فيها حلات الخوف:

  • يشعر الرجال بالسعادة والمزيد من الفرح في حالات السعادة.
  • ترتفع مشاعر الخوف والاشمئزاز في حالة الخوف.
  • يحقق الرجال أقل مستويات الإثاره والإنتباه في حالة الحياد.

و في حالة الإناث، تكون الاستجابة السعيدة لعضلات الوجه والتي يتم قياسها من خلال جهاز قياس كهربية العضلات أكثر ترجيحا إذا تم أخذ العينة من الرجل في حالة السعادة. بينما تكون استجابة المرأة التي يبينها جهاز قياس كهربية العضلات مخيفة إذا تم أخذ العينة من الرجل في حالة الخوف. ومما تجدر الإشارة إليه أن أداء النساء كان أفضل في الاختبارات التي تقيس القدرة على الانتباه الأوسع عندما يتعرضون لشم العرق الذي يتم أخذه في حالة سعيدة. وليس لحالة العينات تأثير على مهمة الرموز الصينية أو على تركيز الرائحة المذكور. ومن الممكن أن تخبر المرأة عما إذا كان العرق قد تم أخذه من رجال يمرون بحالة سعادة أو خوف مقارنة بحالة الحياد.

كيف يفسر الباحثون النتائج؟

وخلص الباحثون إلى أن: "التعرض للعرق من مرسل سعيد يظهر تعابير الوجه السعيدة خلافا لما يفعله العرق المقدم من مرسل خائف أو بحالة حياد".  وهن يقلن: "ينتج البشر على ما يبدو إشارات كيميائية مختلفة عندما يتعرضون للخوف (تأثير سلبي) أكثر مما ينتجه من الإشارات الكيميائية عندما يتعرض للسعادة (تأثير إيجابي)".

الخاتمة

وتشير نتائج هذه الدراسة التجريبية الصغيرة إلى أن شم العرق الذي يتم إفرازه خلال الحالات العاطفية المختلفة يمكن أن يؤثر على مشاعر الناس.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الدراسة لديها الكثير من القيود، ولا يمكن إثبات هذه النظرية. ولم تبحث إلا في عينات العرق التي تم جمعها من تسعة رجال فقط، فضلا عن أن كافة المختبرات كن من الطالبات. ويقول الباحثون إن هذا مدروس لأن الرجال يتعرقون كثيرا والنساء تشعر بالرائحة وتميزها بشكل أفضل وزيادة في الحساسية للإشارات العاطفية. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أننا نعرف ما إذا كان سيتم الحصول على نتائج مماثلة للرجال الذين يشتمون رائحة عرق الإناث أو في حالة شم عرق نفس الجنس. كما أننا لا نعرف أيضا ما إذا كانت النتائج ستكون مماثلة إذا كانت المرأة مع الرجال في ذلك الوقت وقامت بشم رائحة العرق مباشرة من الجسم، وليس من خلال العينة.

وتهدف الدراسة إلى تقييم المشاعر الناجمة عن الرائحة من خلال رد فعل عضلات الوجه، والإبلاغ عن المزاج والانتباه. وليس من الممكن لهذه الدراسة أن تكون قادرة على القول بأي قدر من اليقين أن أية تغييرات كانت بسبب الرائحة.

عوامل خارجية أخرى يمكن أن تؤثر.

و في الحياة الحقيقية، حيث يكون الناس معا وأكثر من مجرد رائحة يتم تضمينها، ترجع الاستجابات العاطفية لمزيج من الأفكار والمشاعر، والعوامل البيئية، وجميع الحواس.

و في حين أن هذه الدراسة مثيرة للاهتمام، إلا أنها لا تثبت أن روائح الجسم يمكن أن تنقل المشاعر السعيدة أو الحزينة للآخرين.

3948 مشاهدة
للأعلى للسفل
×