الوضوء
يُعرّف الوضوء في اللّغة بأنّه: مصدر للفظ الوضاءة والوضاءة من الحسن والجمال والنّظافة أمّا بالنّسبة للوضوء في الاصطلاح: هو غسل أعضاء مخصوصة على صفة معيّنة،[١] وإيصال الماء إليها مع النّيّة، ويجدر بالذّكر أنّ الأعضاء التي يجب وصول الماء إليها هي: الرّأس والوجه واليدين والرّجلين، وهذه بعض من أركان الوضوء، وأمّا بالنّسبة لسننه هي: البسملة والمضمضة والاستنشاق واستقبال القبلة وتحريك الخاتم لإيصال الماء والدّعاء عقب الوضوء والسّواك وتخليل اللّحية وغيرها،[٢] والوضوء يجب أن يكون بإتقان للاقتداء بالرّسول -عليه السّلام- في أداء العبادات، فقد كان الرّسول الكريم يُحسن وضوءه ويتقنه، حيث ورد ذلك بمعنى الإسباغ في قوله: "إذا قمتَ إلى الصلاةِ فأسبغِ الوضوءَ،واجعلْ الماءَ بين أصابعِ يديْكَ و رجلَيْكَ"،[٣] فالإسباغ فيه فضائل كثيرة ومنها: زيادة الحسنات، كما أنّ الرّسول حذّر من التّهاون في إيصال الماء إلى مواضعه، والوضوء في بعض الأحيان ينتقض لأسباب حدّدها الشّرع والتي سيتمّ التّعرُّف عليها في هذا المقال، بالإضافة إلى: هل لمس المرأة ينقض الوضوء.[٤]
هل لمس المرأة ينقض الوضوء
وقبل الإجابة عن سؤال: هل لمس المرأة ينقض الوضوء، يجدر بالذكر أنّ هذه المسألة لديها تفريعات كثيرة كما أنّ كلّ تفريعة أبحر فيها العلماء بآرائهم، وبعض التّفريعات اختلفوا في حكمها، حيث إنّ لمس المرأة بشهوة يختلف عن لمسها إن كان بغير شهوة، ولمس امرأة أجنبيّة يختلف حكمه عمّا إذا كانت زوجته وهكذا، ولكي يتمّ الإجابة عن سؤال: هل لمس المرأة ينقض الوضوء يجب بيان الخلاف الحاصل بين العلماء وتفصيله تفصيلاً دقيقًا، فبالنّسبة للمس المرأة بدون شهوة، فقد ذهب الحنفيّة إلى أنّ الوضوء لا ينتقض بلمس المرأة على الإطلاق سواء كان بشهوة أو غير شهوة، وهذا ما ذكره ابن نجيم الحنفي في كتابه، وذهب المالكيّة: إلى أنّ الوضوء ينتقض بعدّة شروط ومنها: أنّ الشّخص إذا لمس غيره وكان هذا الغير يلتذّ بمثله عادة فحينها لا ينتقض الوضوء ذكرًا كان أم أنثى، أمّا إذا تعمّد التّلذذ باللّمس فحينها ينتقض الوضوء حتى وإن لم يجد اللّذة في اللّمس، والخلاصة أنّ الوضوء ينتقض بحسب نيّة المتوضئ، وكذا ينتقض الوضوء إذا لم يتعمّد اللّمس لكنّه استشعر بلذّة في اللّمس؛ لأنّ هذه اللّذة سبب في إنزال المذي الذي يُعدّ ناقضًا من نواقض الوضوء، ممّا يعني إن لم يقصد المتوضئ ولم تحصل له لذّة فلا ينتقض الوضوء، وأمّا إن كان قاصدًا باللّمس فإنّ وضوءه ينتقض سواء حصلت اللّذة أم لا، وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الوضوء ينتقض إذا لامس الرّجل امرأة تُشتهى أو العكس، وعندهم ينتقض الوضوء على الإطلاق سواء كان بشهوة أم لا، أو كان بقصد أم لا أو كان بلمس سريع أم بطيء وسواء كان بلمس عضو صحيح أم أشلّ، وأمّا بالنّسبة لمذهب الحنابلة: فعندهم لا ينتقض الوضوء إلا بوجود شرطين وهما: أن يكون بلا حائل أي عدم وجود مانع أو أن يكون بشهوة واختار ابن تيمية إلى أنّ اللّمس بدون شهوة لا ينقض الوضوء.[٥]
لاستيفاء الإجابة عن سؤال: هل لمس المرأة ينقض الوضوء لا بدّ من بيان الأدلّة التي استند عليها الفقهاء في الآراء التي تمّ الحديث عنها في الفقرة السّابقة، حيث استدلّ من قال بأنّ لمس المرأة بدون شهوة ينقض الوضوء بحديث عائشة -رضي الله عنها-: "فقَدْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لَيْلَةً مِنَ الفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي علَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وهو في المَسْجِدِ وهُما مَنصُوبَتَانِ"،[٦] والمقصود بالحديث أنّ اللّمس هنا قد حصل بدون شهوة، وأمّا دليل من قال أنّ الوضوء ينتقض على الإطلاق سواء كان اللّمس بشهوة أو غير شهوة فاستندوا على قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}،[٧] فهذه الآية عامّة ولم تُحدّد إن كان اللّمس بشهوة أم لا أو للزّوجة أم الأجنبيّة، وحقيقة الملامسة عندهم وهم الشّافعيّة هي: التقاء بشرتيْن، وأمّا بالنّسبة للقول الراجح هو: عدم انتقاض الوضوء مع النظر إن كان اللّمس بشهوة وخرج شيء بسببها فالوضوء ينتقض في هذه الحالة، أمّا إن لم يخرج شيئ فلا ينتقض الوضوء، والخلاصة أنّ انتقاض الوضوء مرتبط بخروج الشيء.[٥]
نواقض الوضوء
وبعد أن أُجيب عن سؤال: هل لمس المرأة ينقض الوضوء، لا بُدّ من الحديث عن نواقض الوضوء بشكل عام لتكون مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالإجابة الوافية عن سؤال: هل لمس المرأة ينقض الوضوء، وفيما يأتي سيتمّ بيان نواقض الوضوء:[٨]
- ما خرج من السّبيليْن: وهو الخارج من القبل والدّبر؛ كالغائط والبول، والدّليل على ذلك قوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}،[٩] ويجدر بالذّكر أن الخارج من السبيلين يُضاف إليهما المذي والودي ودم الاستحاضة والرّيح، والمذي هو: ماء لزج لكن لا ينزل متدفّقًا كالمنيّ، وهو الذي يخرج بسبب مداعبة المرأة أو الشّهوة الجنسيّة، وأمّا الودي هو: الخارج بعد البول.
- النّوم العميق: يعدّ النّوم الثّقيل ناقضًا للوضوء، وأمّا النّوم الخفيف أو النّعاس أو الفتور اليسير، فهذا كلّه لا ينقض الوضوء، والدّليل على ذلك حديث عبدالله بن عبّاس: "حيث قام الرّسولُ اللهِ -عليه السّلام- فقمتُ إلى جنبِه الأيسرِ؛ فأخذ بيديَّ، فجعلَني من شِقِّه الأيمنِ، فجعلتُ إذا أغفَيتُ يأخذ بشحمةِ أُذُني، قال: فصلَّى إحدى عشرةَ ركعة"[١٠]
- ذهاب العقل: ويكون ذلك بإغماء أو جنون أو إسكار، والدّليل على ذلك عندما كان الرّسول مريضًا قبل وفاته طلب من أصحابه أن يُحضروا له ماءً ليتوضّأ ممّا يدلّ على وجوب الوضوء بعد حالة الإغماء، ومن الجدير بالذّكر أنّ الوضوء واجب بعد الإفاقة من الإغماء، والغسل أمر مُستحبّ.
- مسّ الفرج: يعدّ مسّ الفرج بلا حائل ناقض للوضوء، سواء كان من ذات الشّخص أو غيره؛ لأنّ الفرج موضع للنّجاسة، وجمهور الفقهاء يرون أنّ المسّ إن كان بشهوة فهو ينقض الوضوء، والدّليل على ذلك قول الرّسول -عليه السّلام-: "من مسّ فرجهُ فليتوضّأ وضوءهُ للصلاةِ"،[١١] ومن الجدير بالذّكر أنّ مسّ الزّوجة بدون شهوة لا ينقض الوضوء.
المراجع
- ↑ "تعريف ومعنى الوضوء"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11.
- ↑ "سنن الوضوء"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:739، صحيح.
- ↑ "سنة إسباغ الوضوء"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
- ^ أ ب "مذاهب العلماء في وضوء من لمس امرأة بدون شهوة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:486، صحيح.
- ↑ سورة النساء، آية:43
- ↑ "نواقض الوضوء وأحكامها"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-11. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية:43
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:763، صحيح.
- ↑ رواه الدارقطني، في سنن الدارقطني، عن بسرة بنت صفوان، الصفحة أو الرقم:345، صحيح.