هل يجوز أكل التمساح

كتابة:
هل يجوز أكل التمساح

التمساح

التمساح أحد أضخم الزواحف التي تعيش على وجه الأرض، يعدُّ من البرمائيات إذ يعيش بين الماء واليابسة متنقِّلًا بينهما باحثًا عن طعامه، يمتلك أذرعًا قصيرةً ملتصقةً بجسم ضخم ينتهي بذيل طويل يساعده على السباحة في الماء بشكل رهيبٍ، لذلك فهو يتحرُّك بشكل أفضل وأكثر انسيابيَّة في الماء، وله أيضًا أسنان حادَّة تساعده في القضاء على فريسته فهو من الحيوانات اللاحمة التي تتغذَّى على اللحوم، ورغم ذلك فإنَّه يستطيع الاستمرار في العيش بدون طعام لأشهر عدَّة قد تصل في الحالات القصوى إلى ثلاث سنوات، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول الإجابة عن السؤال التالي: هل يجوز أكل التمساح؟، وذلك بعد التعرُّف على الأطعمة المباحة والأطعمة المحرَّمة في الإسلام.[١]

الأطعمة المباحة في الإسلام

قبل تسليط الضوء على السؤال الرئيس الذي يدور حوله المقال وهو: هل يجوز أكل التمساح أم لا؟، لا بدَّ أولًا من الإشارة إلى بعض الأمور التي تناولها الإسلام فيما يتعلَّق بالأطعمة، فالأصل الذي تجري عليه الشريعة الإسلامية أنَّ جميع الأطعمة مباحة للمسلم يتغذَّى بها ويتمتَّع بها كما يشاء، ولا يحرم منها إلا ما وردَ فيه نصٌّ يدلُّ على تحريمه، وفي ذلك يقول الإمام الغزالي -رحمه الله-: "الحيوانات والجمادات أكثر من أن تحصى، لكنَّ الأصل فيها الإباحة، لقوله تعالى: {قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ}،[٢] فجميع ما يمكن أكله مباح إلا ما يستثنى".[٣]

ويعدُّ ذلك الباب فرعًا لأصل كبير في الشريعة الإسلامية التي ترى أن أصل الأشياء جميعها الإباحة، وذلك قول الجماهير من أهل العلم من السلف ومن جاء بعدهم، وقد وردَ فيه أيضًا إجماع أهل العلم، مستندين إلى العديد من النصوص والأدلة، منها قوله تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}،[٤] وقوله تعالى أيضًا: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}،[٥] فجميع الأطعمة القديمة أو التي تُكتشف حديثًا لا تحرم إلا لعلة أو دليل شرعي، وهناك قول شهير لابن تيمية يقول فيه: "لست أعلم خلاف أحد من العلماء السالفين في أن ما لم يجيء دليل على تحريمه فهو مطلق غير محجور".[٣]

غاية التحريم في الإسلام

ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ الله -سبحانه وتعالى- لم يحرِّم شيئًا ولم ينزل حكمًا إلا لحكمةٍ يعلمها، وفي الغالب لا تقتصر هذه الحكمة على الأضرار المادية التي قد تلحق بالمسلم في حياته الدنيا، فهناك الكثير من الحكم الخفية التي لا يعلمها ولا يحيط بها إلا الله تعالى تكمنُ وراء الكثير من النواهي والأوامر الواردة في القرآن والسنة النبوية، وفي مقال حول سؤال هل يجوز أكل التمساح سيُشار إلى بعض هذه الغايات، وقد ذكرَ الإمام راغب الأصفهاني في تفسيره تفصيلًا لتلك الغايات الجليلة، وعنده أنَّ التحريم من الله تعالى على ثلاثة أنواع:[٦]

  • تحريم كل الخبائث وكل ما يعافه الإنسان، من حشرات أو مخلفات البدن وغيرها، وهذا يحرُم شرعًا وعقلًا.
  • كلُّ ما يغلبُ ضرُّه على نفعه فإنَّه يحرم، وحتى لو ظنَّ الناس أنَّ فيه نفع، إلا أنَّ الله تعالى يعلم الحكمة البالغة وراء ذلك.
  • تحريم بعض الأشياء التي قد تكون نافعة في الدنيا لكنَّ نفعها هذا ليس ضروريًّا، وقد لا يقتضي العقل تحريم تلك الأشياء ولكنَّ الشرع حرمها، وذلك إمَّا تهذيبًا للنفوس وردًّا لدوافع الشهوات أو لغير ذلك من الأسباب.

الأطعمة المحرمة في الإسلام

كما سبق فإنَّ الأصل في الأشياء الإباحة في الشرع الإسلامي، ولكنَّ الله تعالى ولحكمٍ عظيمة حرَّم الكثير من الأمور على عباده، ومن جملة ما حرَّم بعض الأطعمة التي وردَ تحريمها في كتاب الله العزيز في أوائل سورة المائدة، قال تعالى: {حرِّمَتْ علَيْكُمُ المَيتَةُ والدَّمُ ولَحْمُ الخنزِيرِ ومَا أهِلَّ لغَيرِ اللَّه بهِ والمُنخَنِقَةُ والمَوْقُوذَةُ والمتَرَدِّيَةُ والنَّطِيحَةُ ومَا أكلَ السَّبعُ إلَّا ما ذكَّيْتُم ومَا ذبِحَ علَى النُّصُب}،[٧] وهذه الآية تعدُّ قاعدةً عريضةً في تحريم الطعام، حيثُ وردَ فيها تحريم لعشرة أصناف وهي: الميتة، لحم الخنزير، الدم المسفوك، ما ذُبحَ على النصب أي كلُّ ما تمَّ ذبحه لغير وجه الله تعالى، الدابَّة التي تموت خنقًا، الدابة التي تموت بضربة عصا أو حجر، الدابة التي تقع من جبل عالٍ وتموت إثرَ ذلك، أو التي تموتُ من نطحةٍ من دابة أخرى، الدواب التي قتلها السبع وأكل من لحمها.[٨]

وقد وردَ أيضًا في غير تلك الآية تحريم كلَّ ذي ناب على المسلم، مثل الأسد والهر والكلب، وتحريم كل ذي ظفر مثل الصقر والعقاب وغيره، وفي الحديث الصحيح الذي رواه عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- في صحيح مسلم أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهَى عَن كُلِّ ذي نَابٍ من السِّباعِ، وعَن كلِّ ذي مِخلَبٍ من الطَّيرِ،[٩] كما حرَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كل ما فيه ضرر للجسم في العديد من الأحاديث الشريفة.[٨]

هل يجوز أكل التمساح

بعد كل ذلك الحديث عن الأطعمة المباحة والمحرمة في الإسلام والتطرُّق إلى غاية التحريم، سيتمُّ تناول الإجابة عن سؤال: هل يجوز أكل التمساح؟ استنادًا إلى ما وردَ في الشريعة الإسلامية بشيء من التفصيل، فحكم أكل التمساح عليه خلاف بين أهل العلم من الفقهاء، إلا أنَّ أرجح الأقوال وهو ما عليه الجمهور من علماء الحنابلة والشافعية والحنفية أنَّ أكل التمساح محرَّم ولا يجوز أكله في حال من الأحوال، وهناك الكثير من الأقوال التي وردت في ذلك، منها قول المحبِّ الطبريِّ شافعيِّ المذهب حيث قال في الإجابة عن سؤال هل يجوز أكل التمساح؟: "وإنما حرم التمساح كما قال الرافعي في الشرح: لخبثهِ وضررِه"، وقد وردَ في الروض المريع أيضًا: "ويباحُ حيوانُ البحر كلّه، لقوله تعالى: "أحلَّ لكُم صيدُ البحرِ"،[١٠] إلا الضفدع لأنه مستخبث والتمساح لأنه ذو نابٍ مفترس"، وعلى ذلك فإنَّ أكل التمساح حرامٌ شرعًا لأنَّه يفترس بأنيابه ولأنَّه من الحيوانات المستخبثة، والله تعالى أعلم.[١١]

المراجع

  1. "تمساح"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 27-09-2019. بتصرّف.
  2. سورة الأنعام، آية: 145.
  3. ^ أ ب "الغذاء المباح"، www.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-09-2019. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية: 168.
  5. سورة الأعراف، آية: 32.
  6. "التحريم في الشرع.. أسبابه.. أنواعه.. وحَكَمه"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-09-2019. بتصرّف.
  7. سورة المائدة، آية: 3.
  8. ^ أ ب "الأطعمة المحرمة"، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 27-09-2019. بتصرّف.
  9. رواه عبد الله بن عباس، في صحيح مسلم ، عن مسلم، الصفحة أو الرقم: 1934، صحيح.
  10. سورة المائدة، آية: 96.
  11. "حرمة أكل الفيل والتمساح"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-09-2019. بتصرّف.
3950 مشاهدة
للأعلى للسفل
×