هل يجوز الصيام على جنابة

كتابة:
هل يجوز الصيام على جنابة

هل يجوز الصيام على جنابة؟

صحة صيام الجنب مطلقًا

هل يجوز الصيام بدون طهارة؟

قال الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب الفقهية بصحة صيام الجنب، واستدلوا بمجموعة من الأدلّة، ومنها قوله تعالى: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)،[١] ووجه الاستدلال هنا، أنّ الله عز وجل قد أباح الجماع طوال الليل حتّى طلوع الفجر، ويلزم منه طُلوع الفجر على صاحبه وهو جنب، وفية إشارة لفظية من الآية على صحة صيام صاحب الجنابة.[٢]



وعن عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كانَ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وهو جُنُبٌ مِن أهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ، ويَصُومُ)،[٣] ووجه استدلالهم بهذا الحديث، أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان يُجامع في رمضان ولكنّه لا يغتسل إلّا بعد طلوع الفجر ليّبيّن لأمّته جواز هذا الفعل، وهو الشروع بالصيام قبل الاغتسال، وأنّ الجنابة كانت بسبب الجماع وليس الاحتلام.[٢]


عدم صحة صيام الجنب مطلقًا

قال بعض العلماء بعدم صحة صوم الجنب مطلقًا، وهذا قول منسوب لأبي هريرة -رضي الله عنه-، وسالم بن عبدالله، والحسن البصري رحمهم الله، ودليل أصحاب هذا القول ما رواه أبو هريرة عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إذا نوديَ للصَّلاةِ، صَلاةِ الصُّبحِ وأحدُكُم جُنبٌ، فلا يَصُمْ يومئذٍ)،[٤] ورُوي أنّ أبي هريرة قد رجع عن قوله بعدم صحة صوم الجنب عندما بلغه حديث أم المؤمنين عائشة، الذي يُفيد بأنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان يصوم وإن أدركه الصبح وهو جنب.[٥]



تأخير غسل الجنابة بغير عذر مبطل للصيام

هل البقاء على جنابة يبطل الصيام؟

قال عروة بن الزبير رضي الله عنه، وهو أنّ الجنب إذا أخّر الغسل من غير عذر بطل صومه، ودليل هذا القول الحديث السابق المروي عن أبي هريرة في نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجنب عن الصيام، ولكن بفهمٍ آخر وهو حمل الحديث على أنّ من أصبح جنبًا وبقي على حاله من غير غسل، وهو عالم بنفسه بغير عذر؛ فإنه يفطر ولا صوم له.[٦]


صيام الجنب صحيح في النافلة دون الفرض

هناك قولٌ آخر وهو أنّ صوم الجنب صحيح في صيام النافلة وباطل في صيام الفرض، حيث حُمِل حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- بعدم جواز صيام الجنب في صيام الفرض، وحمل حديث أم المؤمنين عائشة على جواز صيام الجنب في صيام النفل.[٦]


وقد رجّح أهل العلم وانعقد إجماعهم بعد استعراض الأدلة أنّ وجود الجنابة لا يؤثر على صحة الصيام، فقال النووي: "وأمّا حكم المسألة فقد أجمع أهل هذه الأمصار على صحة صوم الجنب، سواء كان من احتلام أو جماع، وبه قال جماهير الصحابة والتابعين".[٦]


مسائل في الجنابة والصيام

هناك بعض المسائل المتعلقة بالجنابة والصوم فيما يأتي ذكر لبعضها مع تفصيله:


هل يجوز الاغتسال من الجنابة قبل صلاة الظهر في رمضان؟

إنّ كون الإنسان جنبًا وقت طلوع الفجر لا يؤثّر على صحّة صيامه إذا خلا من مبطلات الصيام الأخرى، وبالعموم فإنّ المبادرة للاغتسال قبل طلوع الفجر أفضل للإنسان، ولكن من الواجب على الجنب أن يغتسل من الجنابة بعد طلوع الفجر وقبل أن تطلع الشمس؛ وذلك لكي لا تفوته صلاة الفجر، وبذلك فإن تأخير الاغتسال من الجنابة إلى ما قبل صلاة الظهر يُفوّت وقت صلاة الفجر من دون أدائها وهذا غير جائز.[٧]



هل يجوز للمرأة الصيام وهي على جنابة؟

الجنب لفظ يطلق على الرجل والمرأة، وبذلك يشتركان بالأحكام المترتبة على صحة الصوم في حالة الجنابة، فيجوز للمرأة الصيام وهي على جنابة، ويُطلب منها الغسل بعد طلوع الفجر وقبل شروق الشمس وذلك لأداء الصلاة في وقتها.[٨]



هل الجنابة تبطل صيام النافلة؟

لو طلع الفجر على المسلم وهو على جنابة ولم يغتسل منها وكان يريد الصيام، فصيامه يصح والأصل في ذلك ما روي عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- حيث قالت: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصبِحُ جُنُبًا مِن غَيرِ احْتِلامٍ، ثم يُصبِحُ صائِمًا)،[٩] ولا فرق في صيام النوافل وهو على جنابة أو صيام الفرض، لأنّ هذا الحديث جاء مُطلقًا وغير مقيّد بصيام الواجب أو النفل، أي بين صيام رمضان أو غيره.[١٠]



ما حكم تأخير غسل الجنابة؟

إنّ تأخير غسل الجنابة للمسلم الذي يتوفر لديه الماء وهو قادر على استعماله لايجوز خاصّة إذا كان تأخير الغسل يؤدّي إلى خروج وقت الصلاة الحاضرة، أمّا المسافر فيجوز له ذلك إن أراد الجمع في الصلاة جمع تأخير، ويتعيّن عليه الغسل قبل فوات وقت الصلاة الثانية، [١١] ومن الواجب التنبيه على خطورة تأخير الاغتسال من الجنابة عمدًا حتّى يفوت وقت الصلاة، لأنّ هذا إثمٌ عظيم يجب على صاحبه التوبة منه.[١٢]



حكم الصيام على جنابة عمدًا في غير رمضان؟

إنّ حكم صيام الجنب في غير رمضان إذا طلع عليه الصبح، وقال ابن كثير رحمه الله: "هذا قول المذاهب الأربعة، وجمهور العلماء سلفًا وخلفًا، وحكاه الوزير إجماعًا، و الآثار في هذا القول متواترة"، إذ كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يُجامع من الليل وربما يدركه الفجر وهو جنب ولم يغتسل، فيصوم ثم يغتسل بعد طلوع الفجر، ويتّم صومه ولا يقضيه، وهذا عام في صيام رمضان وغيره.[١٣]


هل التيمم يرفع الجنابة؟

تعددت أقوال الفقهاء في كون التيّمم يرفع حدث الجنابة أم لا يرفعه، ولكنّهم اتّفقوا على أنّ التيّمم عند عدم وجود الماء يُمكّن الإنسان من أداء العبادات التي يكون فيها الطهارة من الحدث شرطًا رئيسًا كالصلاة، وفيما يأتي تفصيل لأقوالهم:[١٤]


التيمم يرفع الحدث

قال بهذا القول الحنفية وبعض المالكية وبعض الشافعية وفي رواية عن الإمام أحمد واختاره ابن الجوزي وقال به ابن تيمية، وقد استدلوا بجملة من الأدلّة، ومنها قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ الصعيدَ الطيبَ طهورُ المسلمِ، وإن لم يجدِ الماءَ عشرَ سنين، فإذا وجد الماءَ فلْيمسَّه بشرتَه، فإن ذلك خيرٌ)،[١٥] فجاء في هذا الحديث تسمية التيّمم بالطهور وهو الوضوء، ولمّا كان الوضوء مزيلًا للحدث فإنّ التيّمم مثله في الأثر.[١٤]



وقد جاء في حديثٍ آخر أنّ الأرض هي طهور المسلم، والطهور اسم للمطهّر فدلّ على أنّ الحدث ومنه الجنابة تزول بالتيّمم، ولكنّه زوال مؤقّت إلى حين وجود الماء، فإذا وجِد الماء يعود الحدث السابق، ولكنّه يندرج على المستقبل ولا ينسحب على الماضي، فلا يجب على المسلم إعادة الصلاة التي أدّاها وهو متيّمم من الجنابة.[١٤]



التيمم لا يرفع الحدث

التيمم لا يرفع الحدث وهذا هو القول المشهور عند المالكية، والقول الصحيح عند الشافعية والحنابلة، واستدلوا بجملة من الأدلّة، ومنها الحديث الطويل المروي عن عمران بن الحصين، وفيه: (فَلَمَّا انْفَتَلَ مِن صَلَاتِهِ إذَا هو برَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مع القَوْمِ، قالَ: ما مَنَعَكَ يا فُلَانُ أنْ تُصَلِّيَ مع القَوْمِ؟ قالَ: أصَابَتْنِي جَنَابَةٌ ولَا مَاءَ، قالَ: عَلَيْكَ بالصَّعِيدِ، فإنَّه يَكْفِيكَ)،[١٦] ثمّ عندما وجد الماء طلب من الرجل الذي صلّى بالتيّمم أن يغتسل، ولو كان التيّمم رافعًا لحدث الجنابة لم يطلب منه هذا الطلب.[١٤]



ما حكم الجنابة في نهار رمضان؟

يختلف حكم الجنابة في نهار رمضان باختلاف الأسباب المؤديّة لحصولها، فقد اتفق الفقهاء على أنَّ الجنابة الحاصلة بسبب الجماع في نهار رمضان تفسد الصوم، وتوجب الكفّارة وكذلك القضاء، أمّا إذا جامع الرجل زوجته في نهار رمضان ناسيًَا فإنّها لاتجب وهذا قول الشافعية والمالكية والحنفية وقول عند الإمام أحمد بن حنبل، أمّا ظاهر القول عند الحنابلة فالكفّارة والقضاء واجبان، سواءٌ إن كان الجماع عمدًا أو نسيانًا.[١٧]



أمّا إن كانت الجنابة ناتجة من إنزال بغير جماع في نهار رمضان، فإن كانت الجنابة عن احتلام فإنّها لا تفسد الصوم بالإجماع؛ لأنّ الجنابة حصلت دون تدخل من صاحبها، وأمّا إن حصلت الجنابة من إنزال بتعمّد بمباشرة دونما الفرج أو قبلة أو لمسٍ بشهوة، أو استمناء في نهار رمضان، فإنّ الصوم يفسد عند المالكية والشافعية والحنابلة وعامة مشايخ الحنفية، كما أنّ الرجل والمرأة في هذا الحكم سواء.[١٧]



وأمّا الجنابة التي تكون في نهار رمضان وتنتج حصيلة نظر أو فكر فلا تُبطل الصيام، وقد أخذ بهذا الرأي الحنفية والشافعة والحنابلة، لقول رسول الله صلَى الله عليه وسلَم: (إنَّ اللَّهَ تَجاوَزَ لِأُمَّتي عَمَّا وسْوَسَتْ، أوْ حَدَّثَتْ به أنْفُسَها، ما لَمْ تَعْمَلْ به أوْ تَكَلَّمْ)،[١٨] أمّا عند المالكية فإنَّ داوم النظر أو الفكر فأنزل فعليه القضاء والكفارة، وإن كانت عادته عدم الإنزال فأنزل بطل صيامه، والله أعلم.[١٧]

المراجع

  1. سورة البقرة، آية:187
  2. ^ أ ب دبيان الدبيان، كتاب موسوعة أحكام الطهارة، صفحة 305-307. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة وأم سلمة، الصفحة أو الرقم:1925، حديث صحيح.
  4. رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:47، حديث صحيح.
  5. دبيان الدبيان، كتاب موسوعة أحكام الطهارة، صفحة 308-310. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت دبيان الدبيان، كتاب موسوعة أحكام الطهارة، صفحة 317-320. بتصرّف.
  7. مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 18110. بتصرّف.
  8. ابن عثمين، كتاب مجموع الفتاوى ورسائل ابن عثيمين، صفحة 82. بتصرّف.
  9. رواه شعيب الأرنأووط، في تخريج المسند، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:26082، حديث مرفوعه صحيح.
  10. عبد الله البسّام، كتاب توضيح الأحكام من بلوغ المرام، صفحة 523. بتصرّف.
  11. مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 1822. بتصرّف.
  12. مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 18110. بتصرّف.
  13. عبدالله البسام، كتاب توضيح الأحكام من بلوغ المرام، صفحة 523. بتصرّف.
  14. ^ أ ب ت ث مجموعة من المؤلفين، كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 51-52. بتصرّف.
  15. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:124، حديث حسن صحيح.
  16. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمران بن الحصين، الصفحة أو الرقم:344، حديث صحيح.
  17. ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين، كتاب الموسوعة الفقهيه الكويتيه، صفحة 58-56. بتصرّف.
  18. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6664، حديث صحيح.
5601 مشاهدة
للأعلى للسفل
×