الطهارة
الطهارة في اللغة مأخوذة من الفعل طَهُرَ، يَطهُرُ، طهارةً، وطُهرًا، والطُّهر: نقيض الحيض، يُقال: طهّر الشيء: نظّفه ونقّاه من النجاسة والعيوب، ويُقال ثوب طُهرٌ أي؛ خالٍ من النجاسة والدنس، وتطهّر المسلم قبل الصلاة أي؛ اغتسل وتوضأ،[١] أما في الاصطلاح فالطهارة يراد بها: غسل أعضاءٍ معينة بصفة وعلى هيئة معينة، أو هي: عملية إزالة للحدث والخبث، أو إزالة للنجس ورفع للحدث، أو ما على صورتهما أو في معناهما،[٢] أما في هذا المقال فسيتم تناول مسألة من المسائل التي يكثر السؤال عنها في شهر رمضان وهي مسألة هل يجوز الصيام على جنابة إلى الظهر، كما سيتم التطرق إلى ما يُندب للمسلم القيام به وهو صائم بإذن الله.
هل يجوز الصيام على جنابة حتى الظهر
مسألة هل يجوز الصيام على جنابة حتى الظهر، أو مسألة تأخير غُسل الجنابة في شهر رمضان أو غيره من الأيام إلى بعد الفجر من المسائل التي اختلف العلماء فيها على عدة أقوال، فمنهم من قال بصحة الصيام، ومنهم من قال بعدم صحته، ومنهم من فرق بين صوم التطوع وصوم الفرض، ومنهم من فرّق بين المعذور وغير المعذور، وفيما يأتي بيان هذه الأقوال مع الأدلة التي استندوا عليها في أقوالهم في هل يجوز الصيام على جنابة:[٣]
- ذهب الأئمة الأربعة رحمهم الله إلى أنّ صوم الجنب يصح مطلقًا، أما أدلتهم على ذلك فهي: أولًا: قول الله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}،[٤] ووجه استدلالهم أنّ الآية دلّت على أنّ الجماع مباح في كل أجزاء الليل، إلى وقت طلوع الفجر، وهذا يستلزم أن يطلع الفجر على المرء وهو جُنب، مما يدل على صحة صيام الجُنُب، ثانيًا: ما روته أمهات المؤمنين عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما قالتا: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانَ يُدْرِكُهُ الفجرُ، وهو جُنُبٌ مِن أهلِهِ، ثمَّ يَغتسلُ ويَصومُ"،[٥] ووجه الاستدلال أنّ رسول الله كان يجامع في ليل رمضان ويؤخر الغسل إلى بعد طلوع الفجر مما يدل على جواز ذلك، وأنّه كان يدخل عليه الفجر وهو جُنُب من جماعٍ لا من الاحتلام.
- ذهب أبو هريرة رضي الله عنه، وسالم بن عبدالله والحسن البصري إلى أنّ صوم الجُنُب لا يصح مطلقًا، ودليلهم على ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "إذا نوديَ للصَّلاةِ، صَلاةِ الصُّبحِ وأحدكُمُ جُنبٌ، فلا يَصُمْ يومئذٍ"،[٦] وقد نقل أن ابا هريرة رجع عن قوله هذا وأخذ بقول جمهور الفقهاء الذي يقضي بجواز صيام الجنب في هذه الحالة بعد أن وصله حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، وقد ورد ذلك في حديثٍ لمسلم في صحيحه من رواية أبي بكر رضي الله عنه، وعزى قوله إلى ما سمعه من الفضل بن عباس وأنه لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرةً، هذا وجه الترجيح بين الحديثين أما وجع الجمع بينهما فلعل حديث أبي هريرة محمولٌ على أن من كان يُجامع زوجته في ليل رمضان إلى الفجر واستمر على ذلك بعد طلوع الفجر وهو يعلم دخول وقت الفجر بطل صيامه، وأما حمله على النسخ فلعل ذلك كان في بداية الأمر فكان صوم من يُصبح جنبًا باطلًا، ثم نُسخ الحكم في حديث أم سلمة وعائشة ليصبح صومه صحيحًا.
- ذهب عروة بن الزبير إلى أنّ صيام الجُنُب صحيح إذا كان تأخيره للغُسل لعذر، ودليلهم على ذلك ما رواه أبو هريرة فحمله على من لم يكن له عذر وأن حديث أم سلمة وعائشة لمن كان له عذر
- وذهب إبراهيم النخعي إلى أنّ الجُنُب إذا أخر غُسله وهو صائم إلى بعد الفجر، صيامه صحيح في صوم النافلة دون صوم الفرض، ودليلهم على ذلك ما رواه أبو هريرة فحملوه على من صيام الفرض وأن حديث أم سلمة وعائشة يرد على صيام النفل دون الفرض.
- وذهبت دائرة الافتاء الأردنية إلى القول بجواز تأخير غسل الجنابة، وصحة الصيام ودليلهم أنه ليس من شروط صحة الصيام الطهارة من الجنابة.[٧].
مندوبات الصيام
بعد التعرف على آراء الفقهاء في مسألة هل يجوز الصيام على جنابة حتى الظهر، لا بد من ذكر بعضٍ من الأمور المندوبة والمستحب فعلها عند الصيام، وهذه المستحبات هي:[٨]
- كفُّ الجوارح عمّا حرّم الله تعالى: من المعاصي والذنوب، والغيبة والنميمة، وغضُّ البصر عمّا حرّم الله، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصيامُ جُنّة، فلا يَرْفُثْ، ولا يَجْهلْ، وإِن امْرُؤُ قَاتَلَهُ أو شَاتَمَهُ فليَقُل إنّي صائمٌ مَرَّتَين".[٩]
- المبالغة في الجود: فمما يُندب فعله في رمضان والذي حثت عليه سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ المسارعة إلى الإنفاق في شتى وجوه الخير، وصلة الأرحام والتوسعة على الأهل والعيال، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كانَ رسولُ الله صلّى اللهُ عليه وسلّم أجودَ الناس، وكان أجودُ ما يكونُ في رَمضانَ، حين يلقاهُ جبريلُ، وكان يلقاهُ في كلِ ليلةٍ من رمضانَ، فيُدَارِسُهُ القرآنَ، فلَرسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم أجودُ بالخير من الريح المرسَلَة".[١٠]
- تفطير الصائمين: فمما يُسن فعله تفطير الصائمين ولو على جرعة ماء، أو تمرة، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من فَطَّر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا يَنْقُصُ من أجر الصائم شيئاً".[١١]
- السحور: وهو من السُنن التي حثَّ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "تسحّروا، فإن في السَّحور بركةً".[١٢]
- تأخير السحور: فمن السنة تأخير السحور إلى قبيل أذان الفجر.
- تعجيل الفطر والإفطار على رُطَبات: فمن سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعجّل المسلم الإفطار، ويُستحب أول ما يبدأُ به فطره عدد من التمرات فإن لم يكن يشرب قليلًا من الماء.
- الدعاء بالمأثور عند الإفطار: وذلك لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول عند الإفطار: "ذهب الظمأ وابتلَّتِ العروق وثَبَتَ الأجرُ إن شاء الله".[١٣]
- الاشتغال بالعلم وتلاوة القرآن الكريم خاصة، والمواظبة على الأذكار : فشهر رمضان شهر القرآن ينبغي على المسلم فيه الإكثار من تلاوة القرآن ومدارسته، حيث قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}.[١٤]
- الاعتكاف: ويراد به: مكوث شخصٍ مخصوص في المسجد بنية، ويُستحب الاعتكاف في أي وقت، ويعظم فضله في العشر الأواخر من شهر رمضان، وذلك لفعل النبي صلى الله عليه وسلم: "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده".[١٥]
- صيانة النفس عن الشهوات.[١٦]
- الاغتسال من الجنابة قبل الفجر.[١٦]
المراجع
- ↑ "تعريف ومعنى الطهارة"، ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-04-10. بتصرّف.
- ↑ " طهارة"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
- ↑ " الفصل السادس في صيام الجنب"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:187
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة وأم سلمة، الصفحة أو الرقم:1925، حديث صحيح.
- ↑ رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:8145، حديث إسناده صحيح على شرط الشيخين.
- ↑ "أحكام الصيام"، ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-04-11. بتصرّف.
- ↑ "مندوبات الصوم"، al-maktaba.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:1894، حديث صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:6، حديث صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن زيد بن خالد الجهني، الصفحة أو الرقم:6415، حديث صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:1923، حديث صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن مروان بن سالم بن المقفع، الصفحة أو الرقم:2357، حديث حسن.
- ↑ سورة البقرة، آية:185
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2026، حديث صحيح.
- ^ أ ب "أحكام الصيام"، ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-04-10. بتصرّف.