محتويات
معلومات حول آية (وإذا مرضت فهو يشفين)
يذكر الله - عزّ وجلّ-على لسان سيدنا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- نِعم الله -تعالى- عليه، فيقول الله- تعالى-: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِين* وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِين* وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين* وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِين* وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين)،[١] فذكر نعمة الله بالشفاء، وفي موقع وسط بين الخلق والإطعام من جهةٍ، وبين البعث والمغفرة من جهة ثانية.[٢]
ونَسب -عليه الصلاة والسلام- المرضَ بأنّه من نفسه تأدباً، والشفاء من الله- تعالى-، ولأنّه يذكر نعم الله- تعالى- عليه ناسب ذِكر نعمة الله - تعالى- عليه بالشفاء،[٣] ونسب إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- الشفاء لله - تعالى- وحده؛ لأنّه وحده الشافي، ولم ينسب الشفاء إلى الطعام أو الشراب؛ لأنّها من أسباب الشفاء، والشفاء الحقيقي من الله - تعالى- وحده.[٢]
شرح آية (وإذا مرضت فهو يشفين)
يُعدُّ المرض من الأقدار التي تُصيب الإنسان، والتي تتطلَّب منه أن يُؤمن بالقدر خيره وشرِّه، فتُشير الآية الكريمة إلى أنَّ إيمان سيدنا إبراهيم -عليه السلام- بشرِّ القدر، وهو المرض الذي قد يصيبه، وأن خير القدر وهو الشفاء من الله -تعالى-.
وقد فسرَّ أهل العلم المرض والشفاء بالآية بِعِدَّة تفسيرات منها ما يأتي:
- إذا اعتل الجسد بالمرض فإنَّ الشافي هو الله - تعالى-.[٤]
- فسِّر المرض برؤية الفاسدين والشفاء برؤية الصالحين.
- فسر المرض بالمعاصي، والشفاء بالمعافاة منها، والابتعاد عنها.[٥]
- فسر المرض بالخوف، والشفاء بالرجاء، أو إذا كان المرض هو الطمع، كان الشفاء من الله -تعالى- بالقناعة.[٦]
اسم الله الشافي والتوكل على الله في الشفاء
كان من هَدِي النبي - صلى الله عليه وسلم- الدعاء باسم الله - تعالى- الشافي، ويرقي به المريض، فقد قال- صلى الله عيه وسلم-: (اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، مُذْهِبَ البَاسِ، اشْفِ أنْتَ الشَّافِي، لا شَافِيَ إلَّا أنْتَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا)،[٧] واسم الله الشافي يُعَدُّ شفاءً من الأمراض المادية التي تصيب الجسد، وأيضاً من الأمراض المعنوية التي تصيب القلب مثل الحسد والغلّ.[٨]
فالمسلم المبتلَى بالمرض مأمور بالأخذ بالأسباب، والدعاء باسم الله- تعالى- الشافي، وهذا يُعدُّ من باب التوكل على الله -تعالى- الذي بيده الشفاء، وإذا صبر المريض على الابتلاء بالمرض المادي بعد الأخذ بالأسباب، واحتسب ذلك عند الله- تعالى- غفر الله- تعالى- له ذنوبه.
يقول - صلى الله عليه وسلم-: (ما يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمُؤْمِنَةِ في نفسِهِ وولدِهِ ومالِهِ، حتَّى يلقَى اللهَ وما علَيهِ خطيئةٌ)،[٩] وقد يكون الابتلاء بالمرض من علامات حبِّ الله - تعالى- للعبد لقوله - صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم)،[١٠] لذا على العبد أن يصبر على المرض؛ طمعاً بمحبّة الله - تعالى-.
التوكل على الله في الشفاء
التوكُّل على الله - تعالى- عبادة قلبية، يجب على المسلم أن يتقرَّب بها إلى الله- تعالى- في كل شؤون حياته،[١١] ومن المسائل التي يتوكّل بها العبد على الله -تعالى- هي في الشفاء من الأمراض، فالمرض جندٌ من جنود الله - تعالى- يسلِّطه على من يشاء ويصرفِّه عمن يشاء.
فالمسلم مأمورٌ بالأخذ بأسباب الشفاء؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم-: (يا عبادِ اللهِ تداوُوا، فإن اللهَ لم يضعْ داءً إلا وضعَ له شِفاء)،[١٢] وكذلك العبد مأمورٌ بالتوكل على الله - تعالى- لقوله -عزَّ وجلّ-: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً﴾.[١٣][١٤]
ومن أمثلة أسباب الشفاء ما يأتي:
- زيارة الطبيب.
- تناول الدواء.
- الالتزام بالطعام المناسب.
- التوكل على الله -تعالى- بأن يوفقه في الأسباب التي قام بها.
وهذا التوكل ليس من باب التجربة، فالذي يُجرَّب هل ينفع أو يضر هو الدواء والطبيب، لذا يكون التوكّل بيقينٍ كاملٍ بأنّ الله - تعالى- هو الشافي، وأنّ بيده وحده نفع المريض بالأسباب التي أخذ بها كالدواء والعلاج.
المراجع
- ↑ سورة الشعراء ، آية:82-78
- ^ أ ب محمد علي الصابوني، كتاب مختصر تفسير ابن كثير، صفحة 650.
- ↑ أبو حفص النسفي، التيسير في التفسير، صفحة 280. بتصرّف.
- ↑ الطبري ، تفسير الطبري، صفحة 591. بتصرّف.
- ↑ تفسير الماوردي، النكت والعيون، صفحة 176. بتصرّف.
- ↑ أبو المظفر السمعاني، تفسير السمعاني، صفحة 53. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري ، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم:5742، صحيح.
- ↑ سعيد القحطاني ، شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 224. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي ، في سنن الترمذي، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم:2399، حسن صحيح.
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح الترمذي، عن أنس بن مالك ، الصفحة أو الرقم:2396، حسن.
- ↑ صالح الفوزان، الملخص في شرح كتاب التوحيد، صفحة 270. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي ، في سنن الترمذي، عن أسامة بن شريك ، الصفحة أو الرقم:2038، حسن صحيح.
- ↑ سورة الاحزاب، آية:3
- ↑ ابو فيصل البدراوي، شفاء الضرر بفهم التوكل و القضاء والقدر، صفحة 31.