محتويات
التعريف بآية "ورحمة ربك خير مما يجمعون"
"ورحمة ربك خيرٌ مما يجمعون" هي جُزء من آيةٍ في سورة الزُخرف، وهي الآية الثانية والثلاثون منها، وهي قوله -تعالى-: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)،[١] وهي من الآيات التي تُبين تفاهة الدُنيا وهوانها عند الله -تعالى-.[٢]
وبيّن الله -تعالى- في هذه الآية الحكمة من التفاوت بين أرزاق الناس وحُظوظهم في الدُنيا؛ كالغنى والفقر، والقوة والضعف؛ وهي من باب الإبتلاء، واتخاذ بعضهم سُخريّاً؛[٣] أي ليسخّرالناس بعضهم بعضاً في الأعمال؛ لاحتياجهم للطرف الآخر في أداء مهامهم.[٤]
وكانت الآية مُناسبة لما قبلها؛ وهي قوله تعالى: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَـذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)،[٥] حيث تعجب الكافرون فيها من نزول القرآن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعدم نزوله على غيره من الناس؛ فرد عليهم الله -تعالى- بالآية الكريمة: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ)،[١] أي أنَّه -سبحانه وتعالى- هو الذي يُقسّم الأرزاق على الناس وليس هم، ومن ضمن هذه الأرزاق النبوة.[٦]
كما ناسبت الآية اللاحقة لها؛ وهي قوله تعالى: (وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَـنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ)، بذكرها أنَّ ما جعله الله -تعالى- من نعم على الكافرين هو جزء من حُطام الدُنيا، وأن ما عنده خيرٌ من ذلك كُله.[٧]
رحمة الله خير من الدنيا بما فيها
ذهب العُلماء إلى أن المُخاطب في الآية هو النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، حيثُ أخبره الله -تعالى- أن إدخال الناس إلى الجنة خيرٌ لهم مما يجمعون من الأموال في حياتهم الدُنيا، فالمعنى؛ هو أن الجنة خيرٌ من كل ما يجمعه الناس في الحياة الدُنيا.[٨]
وقد أخبر الله -تعالى- قبلها أنه لو كفر الناس جميعاً لأعطاهم من النعيم في الدُنيا بالرغم من كفرهم لهوانها عليه،[٩] وجاء في تفسيرها أن اقتداء الإنسان بهدي الأنبياء -عليهم السلام- وما يناله المُهتدون يوم القيامة خير مما يجمعه الإنسان من حُطام الدُنيا.[٤]
وقد وردت عدة أقوال في تفسير المعنى المقصود بالرحمة، نوردها على النحو الأتي:[١٠]
- قيل في تفسيرها إنها النبوة.
- الجنة والتي هي خيرٌ من الدُنيا والغنى.
- وقيل أيضاً إنَّ المقصود أنَّ إتمام الفريضة خيرٌ من الإكثار من النوافل.
- كما قيل إنَّ ما يتفضل الله -تعالى- به على عباده خيرٌ لهم مما يُجازيهم عليه من أعمالهم.
أهمية استشعار المؤمن لرحمة الله
يوجد العديد من الفوائد المترتبة على استشعار المؤمن لرحمة الله -تعالى-، ومنها ما يأتي:[١١]
- الابتعاد عن الأشياء التي قد تضُر بشخصيته وطريقة تفكيره، والتي قد تؤدي به إلى الهلاك؛ كالتشاؤم مثلاً، فالمؤمن المُستشعر لرحمة الله -تعالى- لا يُغادره الأمل.
- الإحسان إلى الآخرين والنظر إليهم برحمةٍ وشفقة، وتواضعه لهم، وعدم تكبره عليهم.
- تجنب القُنوط؛ لعلمه بسعة رحمة الله -تعالى- ومغفرته، إذ إنَّ الله -تعالى- يغفر الذُنوب عن عباده، ويقبل التوبة منهم.[١٢]
- عدم سوء الظن بالله -سبحانه وتعالى-؛ والمُتمثل بالظن بعدم قبول الله -تعالى- للمسلم وعدم مغفرته لذنبه.[١٣]
كيف يكسب الإنسان رحمة الله؟
ينال الإنسان رحمة الله -تعالى- بصلاحه وإيمانه به، لقوله -تعالى-: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)،[١٤] كما أن رحمة الإنسان بالآخرين من الأسباب الموصلة إلى رحمة الله.[١٥]
والرحمة بالآخرين دليل وعلامة على صدق الإيمان، ومن حُرم الرقة والرحمة فقد شقي؛ وهو من الأمور التي تبعدهُ عن رحمة الله -تعالى-، والرحمة بالآخرين تكون عن طريق السلامة من شُروره، والبُعد عن أذاه،[١٦] ورحمة الله -تعالى- لا تُنال إلا بالتوّجه إليه وحده، وإراده وجه في جميع الأعمال؛ لأنه الإله الحق الذي تطمئن إليه النفس والقلب.[١٧]
تعرّض المقال إلى التطرق لمعنى الآية الكريمة: (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)،[١] ويدور تفسيرها حول أن الجنة واتباع منهج الله وطاعته، خيرٌ من الدُنيا وحُطامها، وأن رحمة الله لا تُنال إلا بطاعته وتجنب معصيته، وبالإحسان والرحمة بالآخرين.
المراجع
- ^ أ ب ت سورة الزخرف، آية:32
- ↑ إبراهيم الزجاج (1988)، معاني القرآن وإعرابه (الطبعة 1)، بيروت:عالم الكتب، صفحة 409-410، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ نخبة من أساتذة التفسير (2009)، التفسير الميسر (الطبعة 2)، السعودية:مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 491، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد الأمين الشنقيطي (1995)، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، بيروت:دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع، صفحة 114، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ سورة الزخرف، آية:31
- ↑ محمد طنطاوي (1998)، التفسير الوسيط، مصر:دار نهضة مصر، صفحة 77، جزء 13. بتصرّف.
- ↑ أحمد النحاس (1409)، معاني القرآن (الطبعة 1)، مكة المكرمة:جامعة أم القرى، صفحة 353، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ محمد الطبري (2001)، تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن (الطبعة 1)، صفحة 586، جزء 20. بتصرّف.
- ↑ أحمد النحاس (1409)، معاني القرآن (الطبعة 1)، مكة المكرمة:جامعة أم القرى، صفحة 353-354، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ أبو الحسن علي الماوردي، تفسير الماوردي النكت والعيون، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 224، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ حسين بن محمد المهدي (2009)، صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال، صفحة 166-167، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ صديق حسن خان (1992)، فتح البيان في مقاصد القرآن، بيروت:المكتبة العصرية، صفحة 130، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (الطبعة 4)، جدة:دار الوسيلة للنشر والتوزيع، صفحة 5345، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية:156-157
- ↑ حسين بن محمد المهدي (2009)، صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال، صفحة 167، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ زين الدين المناوي (1356)، فيض القدير شرح الجامع الصغير (الطبعة 1)، مصر:المكتبة التجارية الكبرى، صفحة 422، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة 1)، صفحة 463، جزء 1. بتصرّف.