محتويات
وسائل إصلاح ذات البين
يعدّ تماسك المجتمع أمراً مهماً، لما فيه من استمرار التواصل وعدم تقطّع العلاقات بين الناس، لذا شرّع الإسلام بعض الوسائل التي يتم من خلالها إصلاح ما أُفسد من العلاقات بين الناس،[١] ومن هذه الوسائل ما يأتي:
اقتراح ما فيه مصلحة الطّرفين
تدفع الخصومة بين الطرفين إلى أن يتمسّك كل واحد منهما بكامل حق، ولكنّه قد يتنازل عن شيء من حقوقه إذا وجد أنّ الحل المقدم فيه نفع للطرفين، لذا من أفضل ما يتم إصلاح ذات البين هو إقناع كل طرف بأنّ الحل من مصلحته، فيلمس كل طرف أنّ مصلحته أصبحت في الحل لا في استمرار الخصومة، ومن أمثلة ذلك ما يأتي:
- جاء عن أبي هريرة -رضيَ الله عنه-عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بأن رجل اشترى رجلٌ أرضاً من آخر فوجد بها ذهباً فاختصموا هل هو للبائع أم للمشتري؟ (فَتَحاكما إلى رَجُلٍ، فقالَ الَّذي تَحاكما إلَيْهِ: ألَكُما ولَدٌ؟ قالَ أحَدُهُما: لي غُلامٌ، وقالَ الآخَرُ: لي جارِيَةٌ، قالَ: أنْكِحُوا الغُلامَ الجارِيَةَ وأَنْفِقُوا علَى أنْفُسِهِما منه وتَصَدَّقا).[٢]
- طلب كعب بن مالك -رضيَ الله عنه- ديناً له من ابن أبي حدرد -رضيَ الله عنه- واختصموا في ذلك حتى ارتفعت أصواتهما، عندها تدخل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بينهما.
فنادى على كعب بن مالك -رضيَ الله عنه- وقال -صلّى الله عليه وسلّم-: (يا كَعْبُ قالَ: لَبَّيْكَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: ضَعْ مِن دَيْنِكَ هذا وأَوْمَأَ إلَيْهِ: أيِ الشَّطْرَ، قالَ: لقَدْ فَعَلْتُ يا رَسولَ اللَّهِ)،[٣] فقد أصلح النبي ذات البين وقدّم النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لهما حلّاً تتحقّق فيه مصلحة الطرفين فيخفّف عن المدين، ويرجع للدائن ماله.
استحضار الأضرار المترتبة على فساد ذات البين في الدنيا والآخرة
يترتب على وجود الخلاف بين الناس كثير من السلبيات؛ مثل تقطع الأرحام، وذهاب الأخوة الإسلامية، لذا بيّن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أضرار فساد ذات البين وهي كما يأتي:
- عدم رفع العمل الصالح لمن بينه وبين أخيه خصومة، لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (تُفْتَحُ أبْوابُ الجَنَّةِ يَومَ الإثْنَيْنِ، ويَومَ الخَمِيسِ، فيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا، إلَّا رَجُلًا كانَتْ بيْنَهُ وبيْنَ أخِيهِ شَحْناءُ، فيُقالُ: أنْظِرُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحا).[٤]
- الإصرار على الخصومة يفقد المسلم الخيريّة والأفضليّة، ويقع من هجر أخاه المسلم أكثر من ثلاثة أيام في الحرمة، لقوله -صلّى الله عليه وسلّم : (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ، يَلْتَقِيانِ؛ فَيَصُدُّ هذا، ويَصُدُّ هذا، وخَيْرُهُما الذي يَبْدَأُ بالسَّلامِ).[٥]
كتمان السر وجواز الكذب بين المتخاصمين
لتحقيق التواصل بين أفراد المجتمع شرع الإسلام بعض المسائل التي تُحقّق ذلك نذكر منها ما يأتي:
- أباح الإسلام الكذب للإصلاح بين المتخاصمين فقد قال -صلّى الله عليه وسلّم-: (ليسَ الكَذَّابُ الذي يُصْلِحُ بيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْرًا، أوْ يقولُ خَيْرًا).[٦]
كما أباح الإسلام النجوى وهي حديث السر،[٧] لإصلاح ذات البين مع أنّ النجوى وحديث السر من الشيطان، قال -تعالى-: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ﴾،[٨] ولكن لإصلاح ذات البين أجاز الإسلام هذه النجوى حتى لا تنتشر الخصومة بين الناس، قال -تعالى-: ﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾.[٩]
فضل الإصلاح بين الناس
يعد إصلاح ذات البين من العبادات التي يتقرّب بها العبد إلى الله -تعالى-، ومن عرف فضل إصلاح ذات البين سارع إليه، ومن فضله ما يأتي:
- أعدّ الله -تعالى- لمن يصلح بين الناس أجراً عظيماً، قال -تعالى-: ﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾.[١٠]
- يعد الإصلاح ذات البين أفضل من نوافل الصلاة والصوم، لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ألا أُخبِرُكم بأفضلَ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ ؟ قالوا: بلى، قال: صلاحُ ذاتِ البَيْنِ).[١١]
- الإصلاح بين الناس يُعد صدقة من الصدقات، لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطْلُعُ فيه الشَّمْسُ يَعْدِلُ بيْنَ النَّاسِ صَدَقَةٌ)،[١٢] ومعنى تعدل بين الناس أيّ أن تصلح بينهم بما يرفع الخصومة.[١٣]
المراجع
- ↑ مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، صفحة 365. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3472، صحيح.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن كعب بن مالك ، الصفحة أو الرقم:457، صحيح.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2565، صحيح.
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبي أيوب الأنصاري، الصفحة أو الرقم:6237، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم كلثوم بنت عقبة، الصفحة أو الرقم:2692، صحيح.
- ↑ ابن عثيمين ، شرح رياض الصالحين، صفحة 32. بتصرّف.
- ↑ سورة المجادلة ، آية:10
- ↑ سورة النساء ، آية:114
- ↑ سورة النساء ، آية:114
- ↑ رواه الترمذي ، في سنن الترمذي ، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم:2509، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري ، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2707، صحيح.
- ↑ النووي ، رياض الصالحين، صفحة 101. بتصرّف.