وصف الغروب على شاطئ البحر
الغروب من أعظم وأبهى المناظر التي حارَ بها الشعراء والفنّانون والخطباء حتّى الصغار، فمن كان حزينًا وجد الكون في لحظات غروبه يشاركه حزنه ذاك، ومن كان سعيدًا أحس بالطبيعة تُقيم له عرسًا بغروب شمسها، ففي وصف الغروب على شاطئ البحر كلٌ كان يجد ما يؤنسه ويشاركه خبايا نفسه التي تجول في خاطره وقلبه.
فها هو ذاك الفنّان المبدع يقف على شاطئ البحر، وبيده قلمه منتظرًا لحظة الغروب، ليشارك الطبيعة برسم ذاك المنظر الرتيب، على لوحته تكون قادرةً على وصف الغروب على شاطئ البحر بألوانها ولمسة فنانها، وما إن بدأ الكون إعلان لحظات الغروب، حتى وقف الفنان مشدوهًا مذهولًا بتلك اللوحة الربانية، التي لن يستطيع أحدٌ أن يضاهيها بجمالها، ورونقها وإعجاز تلك الألوان التي تتضارب، ليصبح من الإعجاز أن يستطيع أيّ فنان مجاراة هذا المنظر.
اقتربت الشمس من البحر في موكبها المهيب الذي يزفّها كل يومٍ لأحضان هذا البحر، فأصوات السنونو تُعلن عن بَدء تلك اللحظات واقترابها، كأصوات الزغاريد التي تعلو مهللةً في الأفراح، اقتربت الشمس وحُمرة الخجل تعلو وجنتيها ليصطبغ الأفق بهذي الحمرة، وتغوص الشمس في أحضان البحر وهي تجرّ آخر ذيولها لتعلنَ عن قدوم ليلةٍ هانئةٍ يسكن فيها البشر لأحبابهم.
وفي الطرف الآخر من هذا الشاطئ، كانت تقف امرأةً ثكلى، تبثّ لذاك الغروب حزنها وهمّها وتزرف دمعًا صامتًا يحرق وجنتيها، لتجد أن الغروب يشهد على حزنها الدفين في روحها ويشاركها هذا الألم، فتتجه الشمس بموكب عزائها الذي ترافقه أصوات نواح السنونو وهم يودّعون الشمس في لحظاتها الأخيرة، وكأنها طيرٌ مثلهم قد أدمى أحدهم فؤاده وبات يلفظ أنفاسه الأخيرة، ليصطبغ الكون بحمرة دمائه، نظرت تلك الثكلى للأفق، وهمست له بكلماتٍ لا يدري أحدٌ ما هي، فربّما قد بثّته حزنَها وألمها وربما واسَتْه ببضع كلماتٍ كانت تجد فيهن العزاء، وستبقى تلك الكلمات سرًا بين تلك المرأة الثكلى وذاك الغروب الجريح.
وفي آخر الشاطئ، وقف رجلٌ عجوزٌ قد حفرت السنون على وجهه آثار قسوتها، ونظر إلى الغروب بعينيْن تتقدان بالأمل، مستمعًا إلى تلك الأمواج وهي تودّع الشمس كما ودّع ابنه، الذي ينتظر منها رسالةً في كل يوم، فقد وقف وقفته تلك قبل عدة سنوات حينما غادر ابنه على ظهر سفينةٍ، ووعده بالرجوع يومًا، وغابت سفينة ابنه مع الشمس خلف ذالك الأفق، فها هو كل يومٍ يحادثها ويسائلها عن أحوال ابنه، وينتظر منها الرد عند كل غروب لا هو تَعِب من تحميلها الرسائل، ولا هي كلّت من الغياب كل يومٍ لتفضي لابنه بشوق ذاك الأب، هذا ما كان من وصف الغروب على شاطئ البحر.