وصف شخص فقير

كتابة:
وصف شخص فقير

كيف يسطع من القلب ذلك النور؟

أولئك الأطفال باتت أحلامهم معلقة ببضع قطع نقدية، يشترون بها لعبة رأوها مع ابن الجيران ذات صباح، أو قطعة ملابس جديدة يستقبلون بها العيد عوضًا عن ثيابهم المهترئة تشعرهم ببهجة العيد، أو قطعة حلوى لذيذة يبيعها العم فارس في محله، يعلوها قطعة فراولة حمراء، وكريمة بيضاء، أحلام تبدو بسيطة، لكن عندهم أحلام ربما مستحيلة في ظل ما يعيشونه من ظروف سيئة، وحرمان تواطؤ عليه المجتمع أجمع بكل طبقاته، لماذا بعض حاجات ضرورية وليست ثانوية تغدو حلمًا لأطفال هم مشروع قادة المستقبل، ماذا ينتظرونه من هؤلاء الأطفال الذين عاشوا الحرمان بكل أشكاله كالمشردين.


أولئك الأطفال الذين لم يعودوا أطفالًا، لأن الظروف العصيبة جعلت منهم رجالًا قصيري القامة، أصحاب ملامح طفولية يكبرون نتاج كل فترة يمرون بها، حتى أفكارهم تجاوزت ما كانت عليه من براءة، ليفكروا بلقمة العيش التي تحتاج منهم أن يكونوا رجالًا بجانب والدهم الذي أنهكه المرض والعمل بلا فائدة تُرجى،أشياء كثيرة يفتقدونها، بدت أحلامهم البريئة من خلال ما يمرون عنه من حواجز شائكة، هذه الأحلام بالغة راشدة، كيف لا تبلغ سن الرشد، وهم نسوا ماذا تعني الطفولة؟ نسوا كيف يكون المرء طفلًا، أمور بات الرجوع إليها صعبًا، كالعودة للطفولة بعد الوصول لمرحلة الشباب.


تجاعيد وجهه تروي حكايته

باتت مظاهر عدة تؤلم الذاكرة والقلب، في كل منها أثر كبير يترك في النفس ما يجعلها تنبض وجعًا في كل لحظة وحين، وجعًا ليس له دواء سوى إنصاف المجتمع، نعم إنصاف المجتمع بكل فئاته، وخاصة تلك الطبقة الكادحة، التي تعتصر ألمًا في كل خطوة تخطوها إلى لقمة العيش، بحذاء قديم ملّ من تصليحه الإسكافي في الحي القديم، وثياب مغموسة بالتعب، كل جزء من ملامحه تحكي قصة كفاح، وقصة تجاوز عقبة من عقبات الحياة الصعبة، ذاك الرجل الفقير الذي يستيقظ والفجر، يصلي ركعتين ويدعو الله أن يبارك في رزق يومه، ويفتح عليه أبواب فرجه؛ علّه يعود إلى أطفاله الذين ينتظرونه كل يوم مجبور الخاطر.


تجاعيد وجهه تشكو قسوة الزمن والظروف عليه، فكل خط من خطوط الزمن على وجهه تحكي قصة عقبة عصيبة مر بها، فأكلت من نصوع وجهه جزءًا، وعيناه الذابلتان باتت تشكي قلة الدموع، فحرقة الزمن أشد وقعًا عليهما قبل أي شيء، فتشكي قلة المساحة البيضاء فيهما، وكأنها تريد أن تشير إلى قلة العمل والعطاء الذي يطغى على حياته، وشعره المجعد الذي أصبح ممتلئًا بالبياض، لا إلى الوقار تشير بقدر ما تدل على كثرة الهموم التي رافقته، فجعلت في ظهره انحناء، أمّا اليدان الخشنتان تشكو قلة المال، فليس هناك من يمنحهما نعومة العيش الرغيد، حياة ممتلئة بالأوزان الثقيلة بكل ما فيها من معان جعلته يجد صعوبة كبيرة في أن يقف على قدميه بقوة وعزم كما كان، لكن هذا الفقرلا يعيب صاحبه، بقدر ما يعاب على الغني احتباس حق الفقير في ماله، ففي ذلك قال ابن الرومي:[١]

ما الفقرُ عيبًا ما تجملَ أهلُه

ولم يسألوا إلا مداواةَ دائهِ

ولا عيبٌ إلا عيبَ من يملكُ الغنى

ويمنعُ أهل الفقرِ فضل ثرائهِ

عجبتُ لعيبِ العائبينَ فقيرهم

بأمرٍ قضاهُ ربه من سمائهِ

وتركهم عيبَ الغنيّ ببخله

ولؤمُ مساعيهِ وسوءِ بلائهِ

وأعجبُ منهُ المادحونَ أخا الغنى

وليسَ غناهُ فيهم بغنائهِ

أولئك أتباعُ المطامع والمنى

جزاهم مليك الناسِ شر جزائهِ

ولو وزنَ استمتاعه بغنائهِ

إذا ما وفى استمتاعه بعنائهِ


منزل أم ميناء سلام؟

في ذلك المنزل القديم، يعيش رجل فقير، في كل يوم يتفقد جدرانه المهترئة، المليئة بثغرات يدخل منها الهواء، والماء في فصل الشتاء البارد، أما سقفه ما زال مبنيًّا من الطين الذي يعلوه بعض أغصان من القش، الذي كان يفقد أحد أجزائه في كل مرة يمر فوقه غيمة تحمل بعض قطرات المطر، وفي زواياه تعيش العناكب وحشرات أخرى باتت جزءًا أساسيًّا من هذا البيت القديم، بيت من شدة فقره يشكو قلة الفئران، وفي وسط جدرانه نوافذ مغطاة بقطعة قماش بالية بالكادة تمنع مرور الهواء من خلالها، لكن تتسرب منها الأحلام، حلم تلو الآخر، كسرب نمل أنهى نقل طعامه ليبدأ سباته الشتوي، من خلال هذه النوافذ تمر بعض خيوط الشمس للبيت علها تبث الدفء فيه.


أيّ دفء يمر من خلال هذه النوافذ التي تغلق أطرافها جميعًا على كل شيء يمر من خلالها، لا الأحلام أحلام، ولا الشمس قادرة على نزع ذاك الغشاء على فوهة النافذة، ففي كل مرة ينظر إليها هذا الفقير يود لو أنه يمزقه؛ لينذر ببدء صيف جديد كالعادة، لكن الشتاء شديد البرودة، برده قارس يلدغ كل شيء يرافقه حتى الآمال والأحلام، وبالنسبة لذلك الباب البني المعتق، لا يفتح بسهولة تمامًا كضروريات العيش، تحتاج لدفعة وقوة حتى يفتح ويغلق، حتى الباب يبدو متآمرًا على الأحلام، لكن الحق يقال، من الصحيح أنّ البيت معتق قديم، لكنه ينبض دفئًا حقيقيًا، دفئًا ينبع من حرارة العلاقة بيننا، والحب الذي يعمّ المكان.


حول هذا البيت البالي فناء صغير، زرع فيه شجرة زيتون ودالية عنب ووردة جورية حمراء، متنفس العائلة الوحيد، الذي يحمل أحلام الأطفال فيه ليهدهد عليها، ويحملها في الهواء الطلق، علها تتحقق يومًا، هذا الفناء الذي يحيط بهم جميعًا فيجمعهم تحت ظل الزيتونة، ليبثوا كل ما في قلوبهم تحت تراب هذه الحديقة عليه ينبت أملًا جديدًا في يوم من الأيام، فبالرغم مما يحيط هذا الرجل الفقير من ظروف إلا أنّه سيبقى يزرع الأمل في نفس كل من حوله عله يتحرر من كل الأشياء البالية حوله، ليبدأ حياته من جديد.



لقراءة المزيد من الموضوعات ذات الصّلة، اخترنا لك هذا المقال: وصف رجل عجوز فقير.

المراجع

  1. "ابن الرومي"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 11/02/2021م. بتصرّف.
7653 مشاهدة
للأعلى للسفل
×