محتويات
من هم الأقرب مودة للذين آمنوا؟
قال الله -تعالى-: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى)،[١] يظهر من خلال الآية السابقة أنّ أقرب الناس مودة للمؤمنين هم النصارى،[٢] الذين يقولون عن أنفسهم أنّهم يتبعون دين المسيح عيسى -عليه السلام-.[٣]
لماذا يُعد النصارى أقرب مودة للمؤمنين؟
يكمن السبب في كون النصارى أقرب مودة للمؤمنين في أربعة أمور:[٤]
- أوّلها: إنّ من النصارى قسّيسين يتكفّلون ببيان أمور دينهم وتعاليمه للناس، ويعمدوا إلى تربيتهم على الآداب والفضائل، قال الله -تعالى-: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ).[١]
- ثانيها: إنّ من النصارى رهباناً، يُعتبروا قدوة للناس في الزهد والتقشف، ومجانبة زينة الدنيا وزخرفها، ويعظمون في نفوسهم الخوف من الله -تعالى-، لقوله -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا).[١][٥]
- ثالثها: إنّ من صفات النصارى التواضع، والإذعان للحق متى ظهر واتّضح ،حيث قال الله -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ).[١][٦]
- رابعها: إنّ في قلوب النصارى رقة ورأفة ورحمة، وذلك لأنّهم إذا ما سمعوا شيئاً من القرآن الكريم بكوا تأثراً بكلام الله -تعالى-، ولمعرفتهم بأنّ دعوة رسول الله دعوة الحق التي كانوا قد بُشّروا بها في كتابهم، حيث قال الله -تعالى-: (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ).[٧][٦]
المراد بالنصارى الأقرب مودة للمؤمنين
لا شكّ بأنّ الله -تعالى- ما أراد جميع النصارى بقوله: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى)[١]؛ وذلك لأنّ عداوتهم للمسلمين ظاهرة من خلال تاريخ الأندلس، والحروب الصليبية،[٨] وما أحدثوا فيهم من قتل، وأسر، وتخريب، وهدم المساجد، وإحراق المصاحف.[٩]
وإنّما أراد -سبحانه- فئة معينة من النصارى هي أقرب مودة للمؤمنين، بحيث تتصف بملامح وسمات خاصة قد أشار إليها -سبحانه- في قوله -تعالى-: (...وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ* وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهدِينَ)،[١٠][١١] لذا فإنّ الآية تشمل النصارى الذين تفيض أعينهم حال سماعهم للقرآن الكريم؛ فيخضعوا ويستسلموا للحق الذي اتّضح لهم دون استكبار وعناد فيُعلنوا إسلامهم.[٨]
أشد الناس عداوة للمؤمنين
ذكر الله -تعالى- في القرآن الكريم أنّ اليهود والمشركين هم أشد الناس عداوة للمؤمنين حيث قال الله -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا..)، [١][١٢] ويعود السبب في ذلك إلى وجود صفات مشتركة بين اليهود والمشركين جعلت منهم أشد الناس عداوة وكراهية وبغضاء للمؤمنين ومن هذه الصفات: الكبر، والبغي، وقسوة القلب، والعصبية القومية، والعتو، إلّا أنّ المشركين كانوا أرق قلباً، وأكثر استقلالاً بالرأي والفكر.[٤]
خلاصة المقال: خصّ الله -تعالى- فئة معينة من النصارى وعدّها أقرب الناس مودة للمؤمنين، ومن صفات هذه الفئة الإذعان للحق والاستسلام له، والبكاء تأثراً بكلام الله -تعالى- وإيماناً به، كما عدّ الله -تعالى- اليهود والمشركين أشد الناس عداوة للمؤمنين لما بينهم من صفات مشتركة.
المراجع
- ^ أ ب ت ث ج ح سورة المائدة، آية:82
- ↑ ابن عاشور (1984)، التحرير والتنوير، تونس:الدار التونسية، صفحة 6، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 511. بتصرّف.
- ^ أ ب أسعد حومد، أيسر التفاسير، صفحة 752. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1393)، التفسير الوسيط للقرآن الكريم (الطبعة 1)، مصر: الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، صفحة 1141، جزء 3. بتصرّف.
- ^ أ ب وهبة الزحيلي (1418)، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج (الطبعة 2)، دمشق:دار الفكر، صفحة 9، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية:83
- ^ أ ب محمد المقدم، تفسير القرآن الكريم، صفحة 2. بتصرّف.
- ↑ محمد المظهري (1412)، التفسير المظهري، الباكستان:مكتبة الرشدية، صفحة 152، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية:82-83
- ↑ صلاح الخالدي (1407)، تصويبات في فهم بعض الآيات (الطبعة 1)، دمشق:دار القلم، صفحة 142. بتصرّف.
- ↑ محمد صديق خان (1412)، فتحُ البيان في مقاصد القرآن، بيروت:المكتبة العصرية، صفحة 34، جزء 4. بتصرّف.