محتويات
ما المقصود بتعظيم شعائر الله؟
من علامات التقوى تعظيم شعائر الله -تعالى-، وهذا من قوله -تعالى-: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾،[١] فقد جعل الله -تعالى- الأمور الظاهرة وهي تعظيم شعائر الله -تعالى- علامة على وجود أمر باطني وهو تقوى الله -تعالى-، ومعنى التعظيم في اللغة: هو ما يدل على التفخيم والتكبير والقوة والشدة،[٢] ومعنى الشعائر في اللغة: كل ما كان علامةً على شيءٍ ظاهرٍ للحواس.[٣]
أما معنى الشعائر في الاصطلاح فهي كما يأتي:[٤]
- قال ابن عباس رضي الله عنهما: هي مناسك الحج من الهدي ورمي للجمرات ومن طواف وسعي ووقوف بعرفة.
- قال الطبري: ما أعلم الله -تعالى- به عباده من مظاهر للدين كي يعظموها، وقال: معالم الدين التي جعلها الله -تعالى- ظاهرةً لعباده ليعبدوه عندها.
- قال عطاء: هي اتباع ما أمر الله -تعالى- وترك ما يغضبه.
- قال الرازي: كل ما جُعل من أعلام الطاعة فهو من شعائر الله.
- قال السعدي: الأعلام الدينية الظاهرة التي تعبد الله بها عبادة.
مظاهر تعظيم شعائر الله
لتعظيم شعائر الله -تعالى- مظاهر متعددة تدل على عمق إيمان المسلم، وتُظهر تعلقه بطاعة الله -تعالى- وعبادته، ويمكن تعظيم شعائر الله -تعالى- بما يأتي من المظاهر:
اجتناب حرمات الله
من أعظم ما يدل على تقوى القلب وعلى تعظيمه لشعائر الله -تعالى- هو حرص العبد على اجتناب ما حرم الله -تعالى-، فإذا قام في قلب العبد الخوف من الله -تعالى-، وصَعُبَ عليه أن يَقرُب ما حرمه الله -تعالى- عليه، قال -تعالى-: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾.[٥]
ومن عظَّم شعائر الله -تعالى- اجتنب المحرمات صغيرها وكبيرها، لذا قال بلال بن سعد: لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى العظيم الذي عصيته،[٦] فتعظيم شعائر الله يكون بفعل ما أمرنا الله -تعالى- به من الطاعات، وأيضاً بترك ما نهانا الله -تعالى- عنه من المحرمات.
وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (اتَّقِ المَحارمَ تَكُن أعبَدَ النَّاسِ)،[٧] بل إن الصالحين من تعظيمهم لحرمات الله -تعالى- واجتنابهم لها قد تركوا بعض الحلال خوفاً من الوقوع في الحرمات.[٨]
تعظيم شهر رمضان
خص الله -تعالى- بعض الأزمنة بالتفضيل، مثل يوم الجمعة ويوم عرفة، ومن هذه الأزمنة التي فضلها الله -سبحانه وتعالى- شهر رمضان، وهو من شعائر الله -تعالى- التي علينا أن نعظمها،[٩] ومن تعظيم شهر مضان الصوم في شهر شعبان حتى يعتاد الصيام ولا يستثقل صيام شهر رمضان.[١٠]
وكان عليه الصلاة والسلام يصوم من شهر شعبان، قال -صلى الله عليه وسلم- عن شهر شعبان: (ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ )،[١١] وتعظيم شعائر الله في رمضان يكون بالحرص على سننه وآدابه، وصيام نهاره وقيام ليله.
والحرص على صلاة التراويح خلف الإمام، وقراءة القرآن وتحري ليلة القدر، والحزن على فراقه، وقد كان السابقون من تعظيمهم لشهر رمضان يدعون الله -تعالى- ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم صيام شهر رمضان.[١٢]
إظهار الفرح في العيدين
العيد في الإسلام من شعائر الله وهو مناسبةٌ لأداء مجموعةٍ من العبادات كصلاة العيد والتكبير، وعلى المسلم أن يُظهر فيه الفرح ويكتم الحزن وأن يكون حريصاً على الاجتماع في الأهل وإدخال السرور إلى قلوبهم،[١٣] وعلى المسلم أن يسعى إلى إظهار الفرح بالعيد من خلال التوسعة على الأهل وشراء الملابس الجديدة والحلوى.
ومن أفضل الأعمال كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (أفضلُ الأعمالِ إدخالُ السُّرورِ على المؤمنِ)،[١٤] وتتأكد هذه السنة خاصةً في أيام العيد لأنه من شعائر الله -تعالى-، ولأنه مناسبةٌ ربانيةٌ للفرح والسرور.
تعظيم مناسك الحج
يُعد الحج من أكثر العبادات التي تظهر فيها شعائر الله -تعالى-، لما فيه من وقوفٍ بعرفه ورميٍّ للجمرات وذبحٍ للهدي، ومبيتٍ في منى ومزلفة، وتكون تقوى القلوب بتعظيم الله في مناسك الحج،[١٥] بتعلم أحكامه قبل الخروج للحج، وبالنفقة الحلال له ولأهله، وإتقان أداء أركانه وعدم التساهل بها.
كما إن من مظاهر تعظيم شعائر الله -تعالى- في الحج ترك الجدال والخلاف والخصومة لقوله -تعالى-: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾،[١٦] ومن تعظيم شعائر الله -تعالى- في الحج ترك التدافع والتزاحم في المشاعر وعند الحجر الأسود، والحرص على خدمة الحجيج ومساعدتهم.
الإحسان في اختيار أضحية العيد
ومن شعائر الله -تعالى- التي ورد ذكرها في كتاب الله -تعالى- البُدنَ، قال -تعالى-: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ﴾،[١٧]ويُسن فيه الأضحية في عيد الأضحى أن يختار المُضحي أحسنها وأسمنها،[١٨] وقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يُطعمون الأضحية حتى تسمن قبل أن يأتي عيد الأضحى.[١٩]
ومن إظهار شعائر الله -تعالى- في الأضحية توزيع من لحمها على الأرحام والفقراء والمساكين، وأن يبتعد المضحي عن الرياء والمفاخرة بها، ومن تعظيم شعائر الله -تعالى- في الأضحية أن تكون من ماله الخاص الحلال، فلا تصح الأضحية بمال الغير، أو أن يضحي بمال فيه حرمة،[٢٠] فشعائر الله -تعالى- لا تُعظم بالمال الحرام.
كما على من يذبح بنفسه أن يُعظم شعائر الله -تعالى- فيها بأن لا يُعذب الأضحية بسكين حادة، أو أن يذبحها أمام بعضها البعض، لحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مرَّ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- على رجُلٍ واضِعٍ رِجْلَه على صَفحةِ شاةٍ وهوَ يُحدُّ شفرتَه وهيَ تلحَظُ إليه ببصَرِها قال: أفلا قَبلَ هذا؟ أو تريدُ أن تُمِيتَها مَوتاتٍ؟).[٢١]
تعظيم الحرم المكي
مما اختص الله -تعالى- به أنه يُفضل من الأماكن والأزمنة ما يشاء وقد فضل الله -تعالى- مكة المكرمة على سائر بقاع الأرض، قال -تعالى-: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴾.[٢٢]
وقد توعد الله -تعالى- من يُريد السوء في مكة فقال -عز وجل-: (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾،[٢٣] لذا على المسلم أن يترك الذنوب والمعاصي في مكة؛ لأنها من شعائر الله، وإثم المعصية في الحرم أكبر وأشد من إثمها خارج الحرم.[٢٤]
وقد حرم الله -تعالى- صيد حيوانات الحرم، أو قطع شجرها، أو تنفير حيواناتها أو التقاط لقطته؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح: (إنَّ هذا البَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، ولَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، ولَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إلَّا مَن عَرَّفَهَا).[٢٥]
تعظيم الأشهر الحرم
قال -تعالى-: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾،[٢٦] فالله -تعالى- يُفضل ما يشاء من الأشخاص والأمكنة والأزمنة، ومما اختار الله -تعالى- من الأزمنة وفضّله على غيرها الأشهر الحرم.
وقد حرمها الله -تعالى- يوم خلق السموات والأرض قال -تعالى-: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ﴾.[٢٧]
وهذه الأشهر هي محرم، ورجب، وذو الحجة، وذو العقدة، وقد حددها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْراً، مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثَةٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَةِ وذُو الحِجَّةِ والمُحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ، الذي بيْنَ جُمادَى وشَعْبانَ).[٢٨]
المراجع
- ↑ سورة الحج، آية:32
- ↑ محمد باجسير، القواعد في توحيد العبادة، صفحة 1007. بتصرّف.
- ↑ محمد باجسير، القواعد في توحيد العبادة، صفحة 1008. بتصرّف.
- ↑ محمد باجسير، القواعد في توحيد العبادة، صفحة 1009. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج ، آية:30
- ↑ الفتني، تذكرة الموضوعات، صفحة 188. بتصرّف.
- ↑ رواه أحمد بن حنبل ، في المسند ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم:15، صحيح لغيره.
- ↑ ابن رجب الحنبلي ، جامع العلوم والحكم، صفحة 401. بتصرّف.
- ↑ محمد المنجد، ظاهرة ضعف الإيمان، صفحة 67. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحمن المباركفوري، تحفة الأحوذي، صفحة 265. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن أسامة بن زيد، الصفحة أو الرقم:2356، حسن.
- ↑ إسماعيل الأصبهاني، الترغيب والترهيب لقوام السنة، صفحة 354. بتصرّف.
- ↑ إبراهيم المديهش، ندب العيد، صفحة 23. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح الجامع، عن محمد بن المنكدر، الصفحة أو الرقم:5897، صحيح.
- ↑ ابن كثير، شرح تفسير ابن كثير، صفحة 1. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة ، آية:197
- ↑ سورة الحج ، آية:36
- ↑ سعيد القحطاني، صلاة العيدين، صفحة 113. بتصرّف.
- ↑ سعيد القحطاني، صلاة العيدين، صفحة 114. بتصرّف.
- ↑ سعيد القحطاني، صلاة العيدين، صفحة 113. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح الترغيب والترهيب، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1090، صحيح.
- ↑ سورة آل عمران، آية:96
- ↑ سورة الحج ، آية:25
- ↑ محمد باجسير، القواعد في توحيد العبادة، صفحة 1018. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1587، صحيح.
- ↑ سورة القصص، آية:68
- ↑ سورة التوبة ، آية:36
- ↑ رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث ، الصفحة أو الرقم:3197، صحيح.