اسمه ومولده
هو أبو محمد يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن التميمي الأسيدي المروزي، ولد في مرو (عاصمة خراسان) في خلافة المهدي العباسي سنة (159هـ /775م)، وينتمي إلى قبيلة تميم، اشتهر بين الناس بعلمه وفضله، ورياسته وسياسته لأمره وأمر أهل زمانه؛ من الخلفاء وأصحاب السلطان.[١]
سيرته
كان يحيى بن الأكثم فقيهاً من نبلاء الفقهاء، ولّاه المأمون قضاء البصرة سنة (202هـ)، ثم أصبح فيما بعد قاضي القضاة في بغداد، وقد كان مع تقدمه في الفقه وأدب القضاء، حسن العشرة، حلو الحديث، استولى على قلب المأمون حتى أمر بأن لا يحجب عنه ليلاً ولا نهاراً، واستعان به المأمون على تدبير مملكته؛ فكان الوزراء لا ينفذون أمراً إلا بعد الرجوع إليه.[٢]
علمه وفقهه
كان من أئمة الاجتهاد، وله تصانِيف منها كتاب "التنبيه"، وقال طلحة بن محمد بن جعفر في حقه: "يحيى بن أكثم أحد أعلام الدنيا، ومن قد اشتهر أمره وعرف خبره، ولم يستتر عن الكبير والصغير من الناس فضله وعلمه ورياسته لأمره، وأمر أهل زمانه من الخلفاء والملوك، واسع العلم بالفقه كثير الأدب، حسن العارضة قائم بكل معضلة".[٣]
قال الخطيب البغدادي: "وكان يحيى سليمًا من البدعة ينتحل مذهب أهل السنة، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: "ذُكر يحيى بن أكثم عند أبي فقال: ما عرفت فيه بدعة، فبلغت يحيى، فقال: صدق أبو عبد الله ما عرفني ببدعة قط".[٣]
وذكر أيضاً الخطيب أن يحيى بن أكثم ولي قضاء البصرة وعمره عشرون سنة ونحوها، فاستصغره أهل البصرة، فقالوا: كم سن القاضي؟ فعلم أنه استُصغر، فقال: "أنا أكبر من عتاب بن أسيد الذي وجه به النبي -صلى الله عليه وسلم- قاضياً على مكة يوم الفتح".[٤]
"وأنا أكبر من معاذ بن جبل الذي وجه به النبي -صلى الله عليه وسلم- قاضياً على أهل اليمن، وأنا أكبر من كعب بن سور الذي وجه به عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قاضياً على أهل البصرة"، فجعل جوابه احتجاجاً.[٤]
مواقفه
ومن مواقفه ما يأتي:
- موقفه مِمَن كان يقول أن القرآن مخلوق
كان يحيى يقول: القرآن كلام الله، فمن قال إنه مخلوق يستتاب فإن تاب وإلّا ضربت عنقه".[٥]
- موقفه في تحريم زواج المتعة
استطاع بذكائه وقوة حجته -رحمه الله- أن يحمل المأمون على تحريم زواج المتعة بعد أن كان مقتنعًا به، حينما أمر المأمون يومًا بإباحة نكاح المتعة، دخل عليه القاضي يحيى بن أكثم مهمومًا مغتمًا، فقال له المأمون: "ما لي أراك متغيرًا؟"، فقال: "هو غم يا أمير المؤمنين لما حدث في الإسلام"، قال: "وما حدث فيه؟"، قال: "النداء بتحليل الزنا".[٦]
قال: "الزنا؟"، قال: "نعم المتعة زنا"، قال: "ومن أين قلت هذا؟"، قال: "من كتاب الله وحديث رسوله -صلى الله عليه وسلم-"، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِين* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ).[٧][٦]
ثم قال: "يا أمير المؤمنين زوجة المتعة ملك يمين؟"، قال: "لا". قال: "فهي الزوجة التي عني الله -عز وجل- ترث وتورث، ويلحق بها الولد ولها شرائطها؟"، قال: "لا"، قال: "إذن من تجاوز هاتين كان من العادين".[٦]
تلامذته
أخذ عنه جمع غفير من مشاهير علماء الأمة، ومن أبرز تلامذته الذين رووا عنه:[٨]
- الإمام الترمذي صاحب السنن.
- علي بن المديني إمام المحدِّثين في عصره.
- محمد بن إسماعيل البخاري، صاحب الجامع الصحيح.
- أبو حاتم الرازي المحدِّث المفسِّر.
- إبراهيم بن محمد بن متويه.
- أبو العباس السراج.
- عبد الله بن محمود المروزي.
وفاته
لما مات المأمون وتولى بعده المعتصم الخلافة، عزل يحيى بن الأكثم عن القضاء؛ فلزم بيته وآل الأمر إلى المتوكل فرده إلى عمله، ثم عزله سنة (240هـ) وأخذ أمواله؛ فأقام قليلاً وعزم على المجاورة بمكة، فرحل إليها، فبلغه أن المتوكل صفا عليه، فانقلب راجعاً، فلما كان بالربذة (من قرى المدينة)؛ مرض وتوفي فيها.[٩]
المراجع
- ↑ "يحيى بن أكثم"، قصة الإسلام، 21/6/2017، اطّلع عليه بتاريخ 4/2/2022.
- ↑ خير الدين الزركلي، كتاب الأعلام، صفحة 138. بتصرّف.
- ^ أ ب [ابن خلكان]، وفيات الأعيان، صفحة 147-148. بتصرّف.
- ^ أ ب [مجير الدين العليمي]، التاريخ المعتبر في أنباء من غبر، صفحة 332. بتصرّف.
- ↑ [ابن العطار]، الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد، صفحة 156. بتصرّف.
- ^ أ ب ت [الصفدي]، الشعور بالعور، صفحة 239. بتصرّف.
- ↑ سورة المؤمنون، آية:5-7
- ↑ "يحيى بن أكثم"، قصة الإسلام. بتصرّف.
- ↑ خير الدين الزركلي، الأعلام، صفحة 138.